ليست مجرد مناسبة للتبرع بالدم
يمكن وصف نظرة الكثير من المجتمعات إلى موضوع التبرع بالدم باعتباره «فرض كفاية» إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. هذه النظرة يجب أن تتغير في كل مجتمعاتنا، وخاصة المجتمعات الإسلامية التي تؤمن بفكرة «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». ومع تعقد الحياة وزيادة وتيرة الأمراض والأوبئة يتحول موضوع التبرع بالدم إلى ما يمكن أن يكون «فرض» على كل قادر عليه، وما زلنا نتذكر الأثر الإنساني العظيم للتبرع بالبلازما في بدايات جائحة كورونا حينما كان العالم في طور التعرف إلى الفيروس وخصائصه والبحث عما يمكن أن يزيد مستوى المناعة عند الكثير من فئات المجتمع. شكّل التبرع بالدم، والبلازما مصدر قوة وكذلك وعي للمجتمعات. وأمس شاركت سلطنة عمان العالم الاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم الذي جاء هذا العام تحت شعار «تبرع بالدم، تبرع بالبلازما، شارك الحياة، شارك كثيرا» وقد أظهرت الحملة الكثير من التضامن المجتمعي والوعي بأهمية قضية التبرع بالدم والتبرع بالبلازما، من أجل أن نهب الآخرين الحياة، وما دمنا نملك هذه الحياة وقادرين أن نجعل الآخرين يحييون بها فلماذا نتأخر؟!
وكان لافتا أمس أن جميع سفارات سلطنة عمان في الخارج نظمت فعالية للتبرع بالدم، فقد تحولت الدبلوماسية إلى نوع من صناعة الحياة ومشاركتها مع الآخرين، ما يعطي انطباعا لدى دول العالم أن الدبلوماسية العمانية تنبض بالحياة للآخرين وأن من بين أهدافها «الحياة».
إن فكرة التبرع بالدم لا تقتصر فقط على منح جزء من أنفسنا لمن هم بحاجة إليه؛ لكنه يؤكد، أيضا، التزامنا الجماعي بحياة الإنسان وكرامته؛ فكل متبرع بالدم لديه القدرة على إنقاذ ما يصل إلى ثلاثة أرواح كما يقول الأطباء، وهذا التبرع لا يكلف الإنسان شيئا لا يطيقه، ولكنه لمن سيسري الدم في عروقه يساوي الحياة.. الحياة تماما التي يقابلها الموت، ويساوي تراجع وتيرة الألم والمرض ومفارقة سرير المستشفى.
هذه الفكرة تستحق أن تتحول إلى وعي جماعي بأهمية التبرع بالدم.. إن الأموال الكثيرة التي يتبرع بها الإنسان بكل سخاء من أجل أن يرى بسمة مشرقة في وجه فقير، قد لا تساوي شيئا أمام قطرة دم تعيد الحياة لإنسان وصل إلى حد الهلاك، ولذلك فإن الطموح الذي تسعى إليه وزارة الصحة أو الناشطين في مجال التبرع بالدم سواء في سلطنة عمان أو في أي مكان في هذا العالم الذي نعيش فيه أن يتحول التبرع بالدم وبالبلازما إلى جزء من مسؤوليتنا الاجتماعية، فكما يتفقد الناس المحتاجين في محيطهم، لا بد أن يتفقدوا المستشفيات ومراكز التبرع بالدم القريبة، فلا يمكن أن نسمع أنين بعض المراكز التي تحث الناس للتبرع فيما يقارب مخزونها من الانتهاء، ونبقى دون حراك مرددين فرضية التبرع بالدم «فرض كفاية».
ويرى البعض - وهذا حقيقي إلى حد كبير- ألا يكون اليوم العالمي للتبرع بالدم مناسبة للتذكير بأهمية التبرع به، ولكن لا بد أن تكون، وخاصة في مجتمعاتنا الإسلامية، بمثابة احتفال سنوي بالتزامنا المستمر بالتبرع بالدم.
إن المشهد الذي حدث أمس في كل ربوع سلطنة عمان وفي سفاراتها بالخارج ذكرنا بأننا لسنا مجرد جهات فاعلة فردية، بل مجتمع عالمي، وسيسهم الدم العماني في إنقاذ الحياة في عشرات الدول حول العالم، ما يذكرنا بأن الحياة حق للجميع مهما اختلفت الأعراق والأجناس والألوان والعقائد.