لا حدود لطموحات عُمان
في منتصف عام 2020 كانت سلطنة عمان قد دخلت واحدا من أكبر تحدياتها الوجودية في العقود الماضية، كان الأفق كالحا، مثله مثل كل الآفاق في العالم في ذلك التوقيت بالذات، حيث دخلت جائحة وباء فيروس كورونا مرحلة صعبة توقف فيها كل شيء تقريبا، سقطت أسعار النفط إلى مستويات دون سعر التكلفة، وتوقفت حركة الاقتصاد في العالم، وتعطلت سلاسل التوريد، وبدا كل شيء يتساقط في قارات العالم على إيقاع جنائزي عمّ العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأفاق العالم على معايير جديدة لم يتوقعها أعادته إلى الوراء كثيرا واضطرته إلى إعادة برمجة كل شيء وفق المستجدات التي يشهدها العالم. كان حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قد أكمل في الحكم في ذلك الوقت نصف عام بالضبط، وما زال صوت خطابه الشهير في 23 فبراير يتردد صداه في كل ردهات عمان وبيوتها «إن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات سيكون عنوان المرحلة القادمة» وكانت آمال العمانيين وطموحاتهم كبيرة كعادة الشعوب العظيمة عبر التاريخ، وكان الجميع مؤمنا بالقائد وبخطابه وبأفكاره وخطة عمله، وعلى استعداد للتضحية من أجل تلك الطموحات.. لكنّ البعض رأى، وكانت لغة الأرقام وما يجري في العالم ترى ذلك أيضا، أن التحدي أكبر بكثير من الطموح. لكنّ الطموح كان قويا جدا وأكبر من أن تقف أمامه التحديات التي اعتادت القيادة العمانية مع الشعب على قهرها وتذليلها وتجاوزها. فلم يمض أكثر من شهر بعد منتصف ذلك العام حتى بدأت عُمان حركة تغيير استثنائية وفي توقيت استثنائي، رغم ذلك بدت في سياقها التاريخي وفي مسارها المرتبط بتطور عُمان الحضاري وقفزاتها فوق التحديات وفوق أي انسداد حضاري يمكن أن يواجهها. ولم تتوقف تلك الحركة بل اكتسبت قوة أكبر مع إصرار العمانيين على أن تمضي إلى الأمام نحو طموحاتهم وآمالهم. واليوم بعد مضي عامين على تلك المرحلة من تاريخ عمان ومن تاريخ العالم فإن القيادة العمانية قد كسبت الرهان، واستطاعت أن تحقق ما كان أقرب إلى الحلم منه إلى الحقيقة. حينما استطاعت أن تحافظ على قيمها السياسية بعيدا عن أي ضغوطات مالية واقتصادية، وأن تحقق فوائض مالية جيدة في وقت صعب للغاية سياسيا واقتصاديا وصحيا، والأهم أن تنجح في تسديد جزء معقول من ديونها الضخمة وتعيد إنعاش الاقتصاد المحلي وحركة التنمية، والأهم من ذلك أنها تنفذ هيكلة داخلية ضخمة جدا تشمل الجهاز الإداري للدولة والشركات الحكومية ومنظومة القوانين وإعادة هيكلة الأولويات وآليات الصرف المالي وبناء القرار الإداري. وكانت القيادة العمانية واعية بأهمية بناء نظام حماية اجتماعي يستطيع أن يكون معينا للجميع في اللحظات الصعبة التي قد تشهد متغيرات اقتصادية ومالية تؤثر على أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة ولذلك فمن المنتظر أن تشهد المرحلة القادمة إعلان تفاصيل ذلك النظام ليكون تتويجا لمرحلة تاريخية من مراحل تطوير الأنظمة والقوانين في عُمان. أما مسيرة الطموحات فلا حدود لها أبدا، وطريق البناء مستمر من أجل عُمان العظيمة ومن أجل شعبها الأبي. |