قوة المجتمع وإعادة تخطيط المستقبل
الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات الحكومية لتخفيف الآثار التي خلفها المنخفض الجوي «المطير» الذي أسفر في بعض المحافظات عن أضرار مادية كبيرة لا تنكر، وهي امتداد للأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات في كل حين. كما أن اللحمة الوطنية التي شاهدها الجميع تؤكد مرة أخرى قوة المجتمع العماني وتماسكه وتآزره. وهذا التآزر وتلك الجهود هي دليل على قوة الدولة ونجاحها في البناء الداخلي، وما كان هذا النجاح أن يتحقق دون وجود الكثير من العوامل التي يستمد بعضها من التاريخ العماني: تاريخ الإنسان وتاريخ التجربة نفسها التي استطاعت أن تراكم الكثير من الخبرة والكثير من الترابط والبناء القوي. كما يستمد الكثير منها من اللحظة الراهنة التي يعيش فيها العمانيون لحظة رخاء واستقرار وعدل وتواصل بين القيادة والشعب وحرص كل طرف منهما على الآخر بالشعور نفسه.
وهذا التماسك مهم جدا في بناء الدولة وفي بناء إنسانها، وفي بناء أنظمتها على أحدث المستجدات السياسية والعلمية.
ويمكن للحكومة أن تنطلق من فلسفة هذا التماسك وقوته في الجانب المعنوي نحو بناء جديد في الجانب المادي يكون مدعوما من قوة المجتمع وتماسكه في الجانب المعنوي.
إن المتغيرات التي يشهدها العالم في الجانب المناخي تحتم على سلطنة عمان أن تعيد التخطيط في الكثير من الجوانب التنموية والعمرانية، ولا بد أن يواكب هذا التغير التخطيطي سرعة التغير المناخي فلا يمكن أن تعيد الدولة بناء البنية الأساسية كل عام، أو كل عامين أو حتى كل خمسة أعوام في ظل ارتفاع تكلفة التنمية في سلطنة عمان نظرا لتنوع البيئات بين البيئة الجبلية الوعرة والبيئة الرملية المتحركة والبيئة السهلية.
وأول خطوة يمكن القيام بها في هذا السياق هو إعادة تخطيط حدود مجاري الأودية في مختلف المحافظات وفي مقدمة تلك المحافظات محافظتا جنوب وشمال الباطنة حيث تكثر مجاري الأودية التي أصبحت أكثر ضيقا مما كانت عليه قبل عقود ماضية. ومع التغيرات المناخية التي تشير إلى تطرف الحالات المدارية والمنخفضات الجوية كل عام فيمكن الذهاب نحو نزع الملكيات من أجل توسعة مجاري الأودية حتى لا تتسبب في تشكل فيضانات تؤثر في البنية الأساسية وعلى الأملاك الخاصة. لقد كشفت الأحداث التي صاحبت إعصار شاهين، على سبيل المثال، أن تأثر الناس لم يكن بشدة الرياح المدمرة ولا بدخول البحر إلى اليابسة ولكن أغلب التأثير كان نتيجة الأودية الجارفة التي حاصرت الناس ودخلت منازلهم وممتلكاتهم كما ضربت المؤسسات الحكومية والخاصة والبنية الأساسية التي أنفقت الدولة عليها عشرات المليارات عبر سنوات طويلة.
أما الخطوة الثانية فيمكن أن تكون عبر إعادة النظر في الكثير من المخططات السكنية التي أقيمت بالقرب من إحرامات الأودية أو في مواجهتها ونقلها إلى مناطق أكثر أمانا وحماية من أي أودية.
كما أننا في عُمان بحاجة ماسة الآن إلى أفكار جديدة للاستفادة من التغيرات المناخية بشكل إيجابي عبر الاستفادة من كميات الأمطار التي يمكن أن تعيد الخصب إلى الكثير من المحافظات وتعيد تجديد المياه الجوفية التي زادت نسبة ملوحتها إلى درجة لم تعد صالحة لوجود مساحة مزروعات في وقت تحتم علينا المتغيرات العالمية أن يكون لدينا أمن غذائي داخلي.