قراءة في أبعاد ودلالات الزيارة السلطانية
لا يمكن قراءة الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أمس إلى مدرسة السلطان فيصل بن تركي للبنين بولاية العامرات بمحافظة مسقط في معزل عن مشروع بناء الدولة الذي ينتهجه جلالته، أعزه الله، والذي يأتي التعليم في أولى أولوياته باعتباره المحرك الأساسي والمعوّل عليه لأي انتقال حقيقي من طور بنائي إلى طور آخر؛ خاصة وأن عصرنا هذا هو عصر الثورة التكنولوجية التي يحركها الذكاء الاصطناعي الذي ما زال العالم يحاول تصور مقدار تقدمه رغم أنه في عتباته الأولى.
وما زلنا نتذكر خطاب جلالة السلطان في شهر فبراير من عام 2020 والذي يمكن اعتباره «العقيدة السياسية» للمشروع التحديثي لصاحب الجلالة والذي تحدث فيه جلالته عن التعليم بشكل واضح جدا حيث قال: «إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة». تحدث جلالته في ذلك الخطاب عن «البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار»، و«أسباب التمكين»، وربط جلالته بين كل ذلك وبين «متطلبات المرحلة المقبلة» التي لا تستقيم دون تعليم ودون تمكين ودون وبيئة محفزة.
ومن الواضح أن مدرسة السلطان فيصل بن تركي التي زارها جلالة السلطان أمس هي أحد النماذج التعليمية التي يتطلع لها سلطان البلاد والتي تتيح للطلاب في هذه المرحلة المبكرة من مسارهم التعليم من وضع أقدامه على العتبات الأولى من البيئة الداعمة للابتكار والبحث، حيث تضم المدرسة أحدث التقنيات والمختبرات التي يحتاجها التعليم الحديث.
وأكد جلالة السلطان المعظم خلال حديثه في المدرسة على أهمية الانتقال بالتعليم من التعليم التقليدي إلى التعليم الحديث، على أن التعليم التقليدي الذي تحدث عنه جلالة القائد ليس التعليم التقليدي الذي كنا نتحدث عنه قبل عقدين من الزمن، حيث تحول التعليم الذي كان حديثا في مطلع الألفية الجديدة إلى تعليم تقليدي في هذا الوقت وما نعتقده قمة في الحداثة اليوم سيكون بعد أقل من عقد واحد تعليما تقليديا وهذا أمر مفهوم في ظل التسارع التكنولوجي والمعرفي الذي يعيشه العالم.
إن وعي حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم التقدمي بأهمية تطوير التعليم ليتواكب مع معطيات العصر وتقنياته مهمة جدا خاصة وأنها تأتي ضمن رؤية استراتيجية أعم وأشمل لتطوير عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة في مختلف المؤشرات.
لكن رؤية جلالة القائد، أيضا لا تقف بالتعليم عند حدود التقنيات الحديثة والثورة التكنولوجية، على أهميتها، ولكنه، أعزه الله، يربط بين هذا التقدم وبين التمسك بالقيم والأخلاق الرفيعة المستمدة من الدين الإسلامي والتي تعلي من مكانة الأخلاق وبناء الهوية الوطنية.
ومعنى التعليم، في فلسفة جلالة السلطان وفكره، هو الذين يمزج بين المعارف الحديثة وبين البحث والابتكار ولكن دون الانسلاخ من القيم والمبادئ ومن الهوية الوطنية وهذه الرؤية تتجاوز التعليم بوصفه بناء معرفيا إلى التعليم بوصفه بناء أخلاقيا وحضاريا وهذا هو الأبقى والأدوم للبشرية.
إن المرحلة القادمة من شأنها في ظل هذا التوجه وهذا الفكر السلطاني أن تشهد تطورا كبيرا في مسارات التعليم واهتماما لا رجعة فيه بتأهيل الكوادر التربوية لتستطيع تحقيق هذه الرؤية وهذه الفلسفة العميقة.. على أن الأمر يحتاج إلى جهد مجتمعي كبير وإلى تضافر الجهود من أجل أن تكون مخرجات التعليم قادرة على أن تحمل أمانة عُمان، أمانتها التاريخية التي لا تكتفي إلا أن تكون مساهمة في الحضارة الإنسانية وقادرة على التأثير فيها.