قبل وداع عام واستقبال آخر
يودّع العالم خلال يومين عام 2022 الذي كان حافلا بالأحداث السياسية والاقتصادية وبكثير من الآلام الإنسانية التي لا نقول إنها لا تُنسى ولكن لا يمكن أن تمر دون أن تترك أثرا في النفس الإنسانية. إلا أن التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها العالم خلال هذا العام لا يمكن أن تُنسى أبدا لأنها مسّت عمق تركيب النظام العالمي، وزعزعت الكثير من القيم السياسية والاقتصادية التي قام عليها العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة على أقل تقدير.
ورغم أن هذا العام قد شهد تراجع حدة وباء فيروس كورونا كوفيد-19 على مستوى العالم، وتجاوز الناس الوباء اجتماعيا، وعادت الحياة في الكثير من دول العالم إلى طبيعتها السابقة قبل الوباء، وهذا إنجاز بشري عظيم بعد عامين من الحجر الصحي والحصار، إلا أن العالم عاد وأفاق على صدمة جديدة تمثلت في الحرب الروسية الأوكرانية التي انعكست سلبا على الاقتصاد العالمي، وساهمت في ظهور أكبر تضخم عرفه العالم خلال العقود الماضية.
ورغم مرور الأوقات العصيبة والصعبة من وباء فيروس كورونا فإن العالم انتبه لأول مرة، تقريبا، أن العولمة، يمكن أن تضمحل خطوطها الاقتصادية والثقافية وأنها ليست الحل الأمثل دائما سواء في سياقها الثقافي أو الاقتصادي، وراجعت الدول ومفكروها بدائل جدية في ظل توقف الكثير من خطوط الإمداد العالمي. وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية وكرّست الفكرة وسرّعتها، أو ربما أحيت أمل البعض في ظهور نظام عالمي جديد، يتجاوز القطب الواحد، ويقوم على أسس عالمية جديدة وموازين مختلفة عن موازين الغرب السائدة من بعد سقوط جدار برلين وتلاشي المعسكر الاشتراكي. ورغم أن هذا الصراع صراع دول عظمى فإن الكثير من دول العالم الثالث أو ما دون ذلك تبحث وسط هذه التحولات عن نظام عالمي أكثر عدالة بالنسبة لها، نظام لا تغيب فيه القوميات الصغيرة ولا تتلاشى وسط ثقافة العولمة.
ولأول مرة منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن تحدث العالم بكثير من الثقة عن سقوط نظرية «نهاية التاريخ» التي نادى بها في مطلع تسعينيات القرن الماضي فرانسيس فوكوياما والذي رأى أن «الديمقراطية الليبرالية» هي الصيغة النهائية التي يمكن للعقل البشري أن ينتجها. وتخندق الغرب خلف تلك النظرية التي تعلي من قيمه، بل إنه بدا يفرضها على العالم بقوة السلاح.
إلا أن الغرب لم يكن صيدا سهلا، فقد وضع كل إمكانياته العسكرية والاقتصادية والعلمية من أجل الدفاع عن نظريته «نهاية التاريخ».. إلا أن الضحية الكبرى هي أوكرانيا والمواطن العادي في جميع دول العالم.
ولا يبدو أن العالم الذي سيستقبل يوم الأحد القادم عاما جديدا سيلجه متخففا من ملفات العالم الجاري، بل إن جميع هذه الملفات ستنتقل للعالم القادم وهي أكثر اشتعالا، بل إن البعض يعتقد أن العام القادم سيكون أكثر رعبا من العام الجاري في قضايا كثيرة بينها مخاوف عودة الوباء، والحرب الأوكرانية وما يصاحبها من مخاوف الحرب النووية وكذلك رعب التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم بصورة غير مسبوقة.
لا يبدو أن الإنسان سيتجاوز شقاءه في العام الجديد أبدا، وعليه أن يعرف كيف يتعايش وسط كل هذه التحولات التي تعصف بالعالم في طريق تشكيل نظام عالمي جديد حتى لو انتصر الغرب في هذه المعركة فإن الكثير من قيمه ومبادئه ستتغير إيجابا أو سلبا ولكنّ الأمور لن تبقى على ما هي عليه.