عودة سوريا للمحيط العربي.. ودروس الأزمة
تشهد المنطقة العربية تحولات سياسية واستراتيجية عميقة متناغمة مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم والتي بدت تتكشف يوما بعد آخر. وفي إثر هذه التحولات بدأت الكثير من الدول العربية وفي منطقة «الشرق الأوسط» تعيد ترتيب ملفاتها وأوراقها وفق ما تفرضه الآثار المترتبة على التحولات الجديدة.
وإذا كان شهر مارس الماضي قد فاجأ الكثيرين في العالم بعودة العلاقات السعودية الإيرانية «بوساطة روسية» والتي تنعكس اليوم إيجابا على إحدى أكبر القضايا الشائكة في المنطقة وهي الحرب اليمنية، فإن شهر أبريل قد يشهد اتفاقا عربيا على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أن بدأت الدول بشكل فردي تعيد علاقاتها مع سوريا دولة بعد أخرى وكان آخرها إعادة فتح السفارات بين سوريا وتونس بعد سنوات من تعليقها.
لكن المهم في ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية أن اجتماعا سيعقد نهاية هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية يضم دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الأردن ومصر والعراق يبحث عودة سوريا إلى الجامعة العربية وإمكانية أن يكون ذلك في القمة العربية القادمة. ويبدو أن هناك ما يمكن أن يوصف بالتوافق على هذه العودة مدعوما بشكل قوي من عدة دول خليجية.
وإذا حصل ذلك التوافق المنتظر فإن عودة سوريا للجامعة العربية ستكون شبه مؤكدة. لكن لا بد من التأكيد أن عودة سوريا إلى المحيط العربي ليس فيه مصلحة لسوريا وحدها ولكن المصلحة الكبرى الآن ستكون لجميع الدول العربية بالنظر إلى التحولات التي يشهدها العالم الآن وبروز التكتلات الجديدة التي يمكن أن توصف «بالحاكمة» في شأن متغيرات العالم.
لقد عانت سوريا خلال السنوات الماضية من عزلتها عن محيطها العربي أكثر مما عانته من الحرب الأممية التي شنت عليها من الكثير من الدول بهدف تحطيمها وتحطيم تماسكها وتحطيم مفرداتها الحضارية التي هي جزء أصيل من الحضارة العربية والإنسانية، ولا يمكن فصل ما حصل في الكثير من الدول العربية عن ما يمكن أن يسمى «الحرب الحضارية».
وفي ظل المتغيرات التي يشهدها العالم فإن وجود سوريا بعلاقات أخوية واستراتيجية مع الدول العربية من شأنه أن يقوي مواقفها في مختلف القضايا الاستراتيجية، ولا يخفى الموقع الاستثنائي لسوريا من النظام العالمي متعدد الأقطاب المنتظر تشكله في المرحلة القادمة، وربما كان هذا أحد أهم أسباب رغبة بعض الدول في تحطيم سوريا وتشظيتها وإضعافها من الداخل، لكن سوريا رغم كل ما حدث بقيت قوية ومحتفظة بمقومات كونها دولة.
عودة سوريا إلى المحيط العربي من شأنه أن ينهي الكثير من التوترات الباقية في بعض المحافظات السورية لأن عودة إعمار سوريا وعودة خيوط التنمية الاقتصادية فيها سيوقف استغلال بعض أبناء سوريا من أجل ضرب بلدهم.. وقد وصل الجميع إلى قناعة مفادها أن الوعود التي أعطيت للجماعات الخارجة على الدولة لم تتحقق طوال عقد كامل من الزمن، وما دامت لم تتحقق في تلك المرحلة فإن المؤكد أنها لن تتحقق الآن خاصة وأن الجميع رأى حجم الخراب الذي وقع على سوريا الوطن دون أن يكون هناك أي مقابل لأحد.
وفيما حدث في سوريا درس لا يمكن أن ينسى أو يتجاوزه العرب بشكل خاص، إنه درس كبير وعميق وعلى الجميع أن يعيه جيدا.