عودة سوريا.. خطوة في طريق عربي جديد
بث خبر استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة العربية بعد أكثر من 11 عاما على تعليق أنشطة دمشق فيها الكثير من التفاؤل بين الشعوب العربية، التي رحبت بالقرار، ورأت فيه رغبة من الدول العربية في تجاوز الكثير من الخلافات التي نشأت بينها خلال العقدين الماضيين وأسهمت في تعطيل الكثير من مظاهر التنمية في بعض البلدان العربية وهجّرت شعوبا عربية إلى مختلف أصقاع العالم تعيش اليوم حياة صعبة وذليلة.
وأعلن اليوم مجلس جامعة الدول العربية إثر اجتماع غير عادي على مستوى وزراء الخارجية «استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارا من 7 مايو 2023». ورغم المبررات التي تحدثت عنها جامعة الدول العربية في عام 2011 واعتبرتها سببا لقرارها «الغريب» في تعليق عضوية سوريا إلا أن القرار كان من بين أبرز أخطاء قرارات الجامعة العربية طوال تاريخها، وأسهم في نظرة الشك التي ينظر بها المواطن العربي للجامعة العربية.
وبعد أكثر من عقد من الزمن وصلت الدول العربية المعارضة لعودة سوريا إلى قناعات جديدة تشكلت عبر تفاعل الأحداث في المنطقة العربية والعالم ورأت في عودة سوريا قوة للإرادة العربية إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عن ذلك من مصالح للشعب السوري الذي عانى الأمرين خلال السنوات الماضية، وكان ضحية للكثير من المؤامرات الإقليمية والدولية.
إن عودة العلاقات العربية مع سوريا إضافة إلى كونها ضرورة عروبية وأخلاقية تقليدية، من شأنها أن تعيد الاقتصاد السوري إلى سابق عهده يوم كانت سوريا في طليعة الدول العربية في التبادل التجاري مع الدول المحيطة بها ومع دول الخليج وبشكل خاص في المنتجات الزراعية وتجارة الملابس والأقمشة، لكن أهمية عودة سوريا لا ينبغي أن ينظر لها بوصفها مكسبا اقتصاديا للدول العربية، إضافة إلى المبررات الأخلاقية، ولكن هناك عامل مهم جدا في هذا الجانب يتمثل في كون سوريا على الدوام لاعبا استراتيجيا في قضايا الشرق الأوسط ودولة توازن ومركز ثقل سياسي وعسكري.. واتضح الأمر في سنوات العزلة عندما تحولت المنطقة العربية إلى ساحة اقتتال مفتوحة أمام الجماعات الإرهابية والمتشددة بدعم غربي وبصمت عربي أحيانا أخرى.
وإذا كان قرار جامعة الدول العربية في عودة العلاقات مع سوريا قد تحقق بإرادة قوية من بعض الدول العربية، بما في ذلك سلطنة عمان، في إقناع بقية الدول بأهمية عودة دمشق فإن هذا الأمر يتطلب الآن حضورا عربيا قويا في سوريا يسبق أي حضور آخر ويملأ أي مساحة أخرى يمكن أن تملأ من خارج المنطقة العربية. إن سوريا بحاجة ماسة اليوم إلى تكاتف عربي لإعادة الإعمار بعد سنوات من القتال والحرب والدمار، وإعادة الإعمار من شأنه أن يخفي أي بقايا إرهابية أو متطرفة ويجعل الجميع يندمجون في المسار الجديد، كما أن على الحكومة السورية أن تعمل على تنظيم مؤتمر لمصالحة وطنية تعيد للمجتمع السوري تماسكه التاريخي، وتعيد عبر المناهج والقرارات بناء وعي فكري يتجاوز الخلافات المذهبية ويتجاوز التشدد الديني والفكري وينظر لجميع السوريين بوصفهم مواطنين في دولة واحدة هي سوريا؛ مستفيدة أولا من تجربة السنوات الماضية التي مر بها الشعب السوري وكذلك من تجارب دول عربية أخرى.
إن عودة سوريا إلى محيطها العربي بعد سنوات من القطيعة خبر مهم جدا وهو خطوة أولى في طريق التصالح العربي وطريق تجاوز الكثير من أخطاء الماضي.