عن فلسفة السياسة الخارجية العمانية
يتساءل الكثيرون في العالم عن سر العلاقة بين سلطنة عمان وإيران التي تبدو من وجهة نظرهم أو من الزاوية التي ينظرون منها للأحداث في الشرق الأوسط غريبة ومعقدة جدًا.
وهذه الغرابة مبنية على قراءة الصورة النمطية التي يقوم عليها نسيج العلاقات السياسية في المنطقة، وهي قراءة عامة غير دقيقة، بالضرورة، وتهمل خصوصيات الدول وأعماقها التاريخية وفلسفاتها السياسية ومقدار نضجها.
لا يخلو الأمر من تعقيدات صنعها التاريخ، لكنّ التاريخ نفسه، أيضًا، يمكن أن يفسّر سر تلك العلاقة التي تكتسب الكثير من التوازن والتعقل وبُعد النظر. لا تنطلق عُمان في علاقتها مع إيران، وفي الحقيقة مع غيرها من دول المنطقة، من أحقاد تاريخية تشكّلت عبر التنافس السياسي -وإلا فإن التاريخ يقول إن بعض المناطق الساحلية في إيران اليوم كانت في يوم من الأيام ضمن الإمبراطورية العمانية- كما لا تحمل عُمان تجاه الآخر أي حساسيات مذهبية بما في ذلك إيران؛ فعُمان عبر التاريخ كانت بعيدة عن أي صراعات مذهبية وأي حساسيات تتعلق بها.. ولا تنظر سلطنة عُمان إلى إيران من منظور المنافس لها في السيطرة والهيمنة على المنطقة.. وموضوع المنافسة في السيطرة موضوع شديد التعقيد في منطقة الشرق الأوسط وكذلك في العالم أجمع، ولا يمكن أن يستقيم في الوقت الحالي دون تعاون جماعي.
مكّن بُعْد سلطنة عمان عن كل هذه الحساسيات التاريخية والحديثة من النظر إلى إيران باعتبارها دولة جارة في محيط جغرافي واحد، ولا تستطيع أي دولة تغيير ما يحيط بها من جغرافيا؛ لذلك كان على عُمان البحث عما يمكن أن يجعل هذا الجوار هادئًا وتكامليًّا بعيدًا عن تأجيج الصراعات، وتحاول أن تسهم في جعل الإمكانيات العلمية والحضارية التي تمتلكها إيران، باعتبارها دولة ذات تاريخ كبير وحضارة، في خدمة الإنسانية وبالتالي تجنب المنطقة أي حرب جديدة يكون محورها إيران.
تؤمن سلطنة عُمان بأن اندماج إيران مع المجتمع الدولي وخروجها من العزلة التي أوجدتها العقوبات الدولية من شأنه أن ينهي الكثير من مناطق الخلاف والشك بين إيران ودول المنطقة، وإيران والمجتمع الدولي، أمّا بقاء هذه العزلة فمن شأنه أن يزيد التوترات والخلافات والأحقاد والشعور بالظلم الذي ينمّي روح العصبية والتطرف.
وهذا الإيمان يفسّر جهود سلطنة عمان الدؤوب لترميم العلاقات الدولية مع إيران والتي أسفرت في الكثير من الأوقات عن نزع فتيل الحرب وبناء جسور من الثقة المتبادلة.
إن الزيارة التي يقوم بها اليوم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى إيران هي زيارة تاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ويترقب العالم أجمع نتائجها.. وتأتي في لحظة عاد فيها التوتر في العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي إلى الواجهة من جديد.
وإذا كانت سلطنة عمان قد ساهمت بشكل كبير وأساسي في عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران مؤخرًا، الأمر الذي أحدث اختراقًا تاريخيًّا في العلاقات بين البلدين وفي رسم صورة التحالفات الجديدة في المنطقة، فإن زيارة جلالة سلطان البلاد المفدى في طريقها لبث روح جديدة للعلاقات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بين إيران والدول العربية، وبين إيران والمجتمع الدولي.. وهي روح تفتقدها المنطقة منذ زمن طويل.
لكن لا بد أن نعي أن الدور الذي تقوم به عُمان اليوم كان على الدوام في صميم مبادئها السياسية، وأثبت مرة بعد مرة قدرته على صناعة السلام والأمن والتسامح وإرساء الحوار بين الدول والحضارات.
أما ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين سلطنة عمان وإيران فهي علاقات قوية جدًا، دون إهمال للسجلات التي توثق تاريخ المنطقة.. فالعلاقات اليوم عينها على المستقبل الذي لا نصله دون تمهيد طرق الاستقرار والرخاء.
وتعي سلطنة عُمان أن دورها في حل النزاعات وتعزيز الاستقرار في المنطقة لا يخلو من تحديات كبرى، لا سيما فيما يتعلق بالصورة النمطية التي رسمها المجتمع الدولي لإيران خلال العقود الأربعة الماضية.. مع ذلك، فإن التزام سلطنة عمان الثابت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وإعلاء شأن الحوار السلمي يبقى حجر الزاوية في فلسفة سياستها الخارجية.