No Image
رأي عُمان

عن انكسارات العالم العربي وطموحاته

30 أغسطس 2022
30 أغسطس 2022

ما زال العالم العربي يعيش مشكلة كبرى في تشخيص أزماته، وفي قدرته على القفز فوق جميع الانسدادات الحضارية التي يعيشها منذ عقود طويلة. ورغم ظهور مفكرين كبار في العقود الماضية إلا أن فكرهم لم يخرج من بين صفحات الكتب أو سجلات المحاضرات والندوات ولم يتحول إلى حلول حقيقية وعملية تحلّق بالعالم العربي فوق كل انكساراته، بدءا من انكسارات الحياة اليومية وليس انتهاء ببناء تصوراته المستقبلية أو حتى قراءته للتاريخ من باب سعيه لفهم المستقبل. وعلى الرغم من وضوح المشاكل في العالم العربي إلا أن قراءتها في سياق فكري تكاملي لم تتحقق لأسباب كثيرة أهمها الصراعات بين البنى التي يتشكل منها المجتمع في العالم العربي.

ولأن حركة التاريخ مستمرة لا تتوقف فإن العالم العربي يطيل طريقه إلى المستقبل بأكثر مما يستطيع تعويضه في اللحظة التي قد تحصل فيها الصحوة والإرادة، وهذا ما يجعل المهمة صعبة جدا أمام الأجيال العربية القادمة التي يعول عليها الكثير في النهوض بالعالم العربي من كل كبواته، وكل المطبات التي أوجدها أمامه خلال العقود الماضية وربما خلال القرنين الماضيين. وفي هذا السياق، يُطرح سؤال مخيف جدا: هل الأجيال القادمة قادرة على تجاوز ما لم يستطع تجاوزه جيل الآباء والأجداد؟ أو أن مأساة هذه الأجيال أكبر من مأساة أجدادهم؟

لقد شهد العالم العربي خلال العقود الثلاثة الماضية حالة تفكك لم يكن يتوقعها أكثر المتشائمين من أحوال العالم العربي. وفقدت الأمة حتى مسودات المشروعات الحضارية التي كان من الممكن أن تضعه في صدارة الدول النامية. ولم تنجح إلا بعض التجارب القُطرية التي كانت إما مدعومة بطفرة مالية بسبب أسعار النفط أو بإرادة سياسية لدى بعض الحكام المستنيرين من الذين يملكون رصيدا تاريخيا داعما لهم، والذين صارعوا تحديات داخلية وإقليمية وعالمية لكنهم استطاعوا الصمود في مواجهتها، إلا أن ذلك التقدم يبقى في سياق المقارنة بين دول العالم العربي وليس بالنظر إلى ما حققته دول صعدت باقتصادها وتقدمها التكنولوجي في فترات قياسية.

لقد وصل العالم العربي خلال العقدين الماضيين إلى أخطر مرحلة يمكن أن تصلها الأمم والشعوب، وما زالت تداعيات تلك المرحلة التي بدأت بالاحتلال الأمريكي للعراق مستمرة، ويعاد صناعتها ضمن صراعات دينية أو مذهبية أو طائفية وحزبية، ليدفع ضريبتها العالم العربي الذي تحولت شعوبه إلى شعوب مقهورة ومغيبة عن واقعها وأولوياتها، بل وشعوب مشردة في مختلف قارات العالم.

ولم تستطع الكثير من الشعوب العربية تعلم أي درس مما حصل خلال العقدين الماضيين في العالم العربي، وكأن شيئا لم يحدث، كما أن الخطاب الفكري الذي تنتجه نخب المجتمع ما زال دون الطموحات، بالنظر إلى الخطابات الفكرية التي ينتجها العالم اليوم، وبالنظر إلى ما يحتاجه المشهد في العالم العربي. وما زال وعي بعض القيادات السياسية بأهمية المنتج الفكري العربي دون حجم الأزمة الحضارية التي تمر بها الأمة بكثير ودون متطلبات المستقبل.