عن الجوائز وتقدير العلماء والمفكرين
عندما يعود الباحثون والمؤرخون اليوم لمعرفة أهم أسباب ازدهار الحضارة العربية في مراحل مجدها سيجد أن من بين أهم تلك الأسباب أنها كانت تهتم وتقدر العلماء والمفكرين والمبدعين اعترافا بدورهم في خدمة الإنسانية. والأمة التي لا تقدر علماءها ومفكريها ستبدأ في مرحلة التراجع والأفول.. بل إن الأمة التي تترك العلم والمعرفة والثقافة والأدب والفنون لا تلبث أن تنهار وتتفكك وتعيش حالة من التخلف والبعد عن آفاق المستقبل، والتاريخ يقدم الكثير من النماذج على هذا الطرح.
وفي التاريخ العماني نماذج مهمة لمراحل تاريخية شهدت فيها عُمان نهضة علمية ومعرفية كبرى كان فيها العلماء والمفكرون والأدباء محل تكريم وتقدير خاص الأمر الذي انعكس على الدولة في ذلك الوقت، فازدهرت المدارس التي تعلِّم علوم الآلة «مثل علوم النحو واللغة والمنطق» وهي بدورها ساهمت في ازدهار علوم المقصد، كما ازدهرت علوم الطب والفلك والكيمياء وازدهرت الفلسفة، وظهر في عُمان أطباء كبار وعلماء فلك وساهمت الكثير من هذه العلوم في شق الأفلاج وفي ازدهار الزراعة ودخول عُمان في مراحل ازدهار اقتصادي وتجاري، كما ازدهر التأليف في مختلف العلوم والفنون.. كل هذا حدث في ظل اهتمام الدولة بالعلماء والمفكرين والأدباء الذين أثروا الحياة بعلمهم وفكرهم.
وبقي العلماء والمفكرون والأدباء الملتزمون بعلمهم وفكرهم محل تكريم وتقدير في عُمان سواء من القيادة العليا في البلاد أو حتى من الناس.
واليوم إذ تحتفل سلطنة عمان بتسليم جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب فإنها تسير ضمن سياقها التاريخي في الاحتفاء بالمبدعين. ورغم أن هذه الجائزة ليست مخصصة للعمانيين فقط إذ أنها تخصص سنة لهم وحدهم وسنة لعموم المبدعين العرب ومن بينهم العمانيون بطبيعة الحالة وذلك عن مجمل منجزاتهم إلا أن الفكرة واحدة فالعلم والإبداع كما يقال لا وطن له ولذلك فإن عُمان كانت على الدوام تقدر الإبداع والعلم والمعرفة أيا كان مصدرها الجغرافي حيث من المنتظر أن تعلن الجائزة مساء اليوم عن مجالات دورتها القادمة والتي ستكون مخصصة لعموم العرب.
وهذه الجائزة تكتسب أهميتها من ثلاثة أبعاد أساسية البعد الأول أنها جائزة عمانية تنتمي لعُمان بكل أبعادها التاريخية ومنجزاتها الثقافية والأدبية والفنية، وهذا وحده يعطيها ثقلها الكبير، أما البعد الثاني فلأنها تحمل اسم السلطان قابوس، طيب الله ثراه، الذي كان له دور مشهود على الدوام في خدمة العلم والعلماء والفنون داخل سلطنة عمان أو خارجها. أما البعد الثالث فيتمثل في قيمتها المادية التي تجعلها من بين أكبر الجوائز في العالم العربي.
وربط اسم «عُمان» بجائزة أو حتى جوائز جادة وبعيدة عن مسارات الإثارة والبهرجة أمر في غاية الأهمية في ظل الكثير من التسطيح والاستهلاك لفكرة الجوائز المنتشرة اليوم.