على طريق عظماء عُمان وأمجادها
يحتفي العمانيون بالعسكرية ويحبونها بالفطرة، إنها جزء من تاريخهم العريق الذي تسلل مع الوقت إلى جيناتهم، فلا فخر ولا اعتزاز إلا كانا مقرونين بها، ولا أمن ولا أمان بعيدا عن قوتها وصلابتها ومنعتها.. وهذا مفهوم في ظل الدور الكبير الذي اضطلعت به العسكرية العمانية عبر التاريخ في ترسيخ الدولة العمانية وحمايتها وفرض هيبتها في البر والبحر، بل وحماية الإقليم كله من المخاطر الناتجة عن أطماع حركات الاستعمار الغربية في الزمن الذي سمي بزمن الكشوفات الجغرافية. ولا عجب إذن أن يكون احتفال العمانيين بعيدهم الوطني كل عام احتفالا عسكريا، يستعرض فيه القائد الأعلى قواته المسلحة بمختلف تشكيلاتها.. فيما ينتظر العمانيون هذا اليوم بكثير من الشوق، إنه اليوم الذي يحمل رمزية كبيرة، تشعرهم بالفخر والامتنان، تبدأ من التاريخ السحيق لعُمان وتمتد إلى آفاق المستقبل المشرق.. إنهم يشعرون بالأمن والأمان على المنجزات التي تراكمت عبر الزمن العماني، فلا خوف على ما يحققونه في اللحظة الآنية؛ فللوطن جيش يحميه ويسهر على راحته، وللجيش قائد أعلى يضفي أقصى أنواع العناية به ليكون ترسا ودرعا يذود عن حياضه في لحظة النوائب.
وكان يوم أمس يوما وطنيا مليئا بالرموز والدلالات التي تنطق بالكثير والكثير. فرغم أن سلطنة عمان علّقت احتفالاتها بمناسبة عيدها الوطني تضامنا وحزنا مع ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين وبشكل خاص في قطاع غزة إلا أنها لم تعلق العرض العسكري، واستعرض جلالة السلطان المعظم القائد الأعلى قواته المسلحة في عرض مهيب في إشارة لا تخفى رمزيتها، ولا يخفى ما بها من احتفاء عماني واحتفال بالعسكرية التي عبرها تُكرّم عُمان تاريخا طويلا من المنجزات التي سطرها الآباء والأجداد.
لكن رمزية يوم أمس لا تنتهي عند هذه النقطة التي ترتبط بالزمن الذي أمسكت به الإرادة العمانية فطوعته لصالح مشروعها، فالمكان الذي أقيم فيه الاستعراض العسكري له دلالته ورمزيته في التاريخ العماني يعيدنا إلى قرون بعيدة مضت.. وأسماء عمانية عظيمة مرت في المكان فملأت الدنيا وشغلت الناس، أئمة كبار، وقادة طووا الأرض أمامهم وقيدوها ببأسهم وعدلهم فدانت لهم.. ليس بدءا بمالك بن فهم الأزدي وليس انتهاء بالسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- .. وفي عمق ولاية أدم حيث كان المكان أمس يختزل تاريخا عمانيا عظيما أصولا وجذورا للقائد العظيم المهلب بن أبي صفرة وأصولا وجذورا للإمام أحمد بن سعيد الذي تمتد جذوره إلى شموخ اللحظة الآنية في عُمان وعظمتها.
كان جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو يقف شامخا في المكان أمس بكل دلالاته وتاريخه ورموزه ويحيي الطوابير العسكرية ويستعرضها بكل امتداداتها ورمزيتها التاريخية يطاول عظماء عُمان عبر الزمن، ويكمل مشروعهم في بناء كيان عُمان الحضاري.. ولعله وهو يمر أمام متحف «عُمان عبر الزمان» في مسيره المبارك إلى ولاية أدم قد اختزل كل شموخ عُمان وعظمة أرضها التي تمتد إلى أكثر من 800 مليون سنة فكان أن عانق السماء شموخا وأمسك بتلابيب المجد العماني التليد وهو يقف أمام قواته المسلحة الباسلة.. وحق له ذلك فهو وريث كل ذلك المجد الذي سطرته هذه الأرض بسواعد إنسانها الصلب.
لا عجب أو غرابة إذن في كل الرموز التي يقرأها العمانيون في مشهد سلطانهم المعظم، فسلاطين عُمان ليسوا منبتين عن تاريخها، إنهم جزء منه، ودورهم أن يضيفوا إلى عظمته عظمة جديدة، وهم يتصرفون بناء على ذلك، فشموخهم شموخ عُمان وعظمتهم عظمتها.