«شباب عمان».. أيقونة عالمية ترفع أشرعة السلام والمحبة
العمل الجاد والحقيقي والمبني على رؤية تقدمية عميقة يؤتي ثماره ولو بعد حين، ويتحول من عمل ذي صبغة محلية إلى عمل ذي صبغة إنسانية. هذا الأمر ينطبق تماما على مشروع سفينة شباب عُمان التي أدرجت نهاية الأسبوع الماضي ضمن قائمة أفضل الممارسات لصون التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو.
كانت سفينة شباب عُمان منذ رحلتها الأولى رمزا استثنائيا يعكس العمق الحضاري الذي تتمتع به عُمان وارتباطها التاريخي بالبحر، حيث استطاعت أن تمزج بين أمجاد الماضي العريق وآفاق الحاضر الواعد. لكنها مع الوقت والإخلاص في الفكرة تجاوزت بعدها المحلي رغم انطلاقها منه وتمسكها به إلى بعد عالمي إنساني سعت إليه منذ فكرتها الأولى.
وفي النجاح الذي حققته سفينة شباب عُمان سواء في إدراجها العالمي الجديد أو عبر الوعي الذي تشكل عالميا من هدفها إثبات جديد أن الوصول للعالمية ينطلق من الجذور ومن التمسك بالمبادئ الثقافية، ومن التجربة المحلية مهما كانت خصوصيتها؛ لأنها تمثل تجربة إنسانية فريدة لها مميزاتها ولها مبادئها ولها إثارتها التي تتشكل في أذهان الآخرين.. وفي موضوع سفينة شباب عُمان تمثل التجربة الثقافية للعمانيين ولتاريخهم العريق ولدورهم في بناء جسور حضارية مع الآخر بما يعبر عن رسالتهم الإنسانية العميقة إثباتا على أن قوة التجارب تنبثق من إنسانيتها بغض النظر عن موقعها الجغرافي ومن قدرتها على الولاء لقيمها متى ما كانت صادقة ومعبّرة عن تجارب مجتمعية.
استطاعت سفينة شباب عُمان أن تحول حكايات التاريخ البحري في عُمان إلى قصة هُوية متجذرة، واستطاعت السفينة عبر رحلاتها الحديثة أن تعيد روايتها من جديد في سياق حديث، أما أشرعتها التي تعانق السماء والتي تقاوم صراع الريح والموج فقد تحولت إلى صفحات تُفتح على العالم لتكتب فيها حكاية السلام، وقصة شعب حمل ثقافته معه حيثما ارتحل. من خلال الفنون الشعبية المبهرة، والصناعات الحرفية التي تعبق برائحة التراث، وفنون الإبحار التقليدية التي تستنطق السماء والنجوم، تُقدّم السفينة للعالم صورة عُمان الأصيلة، تلك التي تفخر بماضيها وتؤمن بالحوار الحضاري وسيلة لتعزيز قيم التفاهم والتعايش.
وإذا كانت سفينة شباب عمان تحافظ على التراث البحري بوصفه إرثا عمانيا أصيلا، فإنها تضطلع بدور أعمق في سياق القوة الناعمة التي تسعى الدول في مختلف قارات العالم إلى تعزيزها والاستفادة منها في لحظات عالمية شديدة الصعوبة والالتباس. ومن خلال زياراتها المتعددة إلى موانئ تمتد عبر قارات العالم، قدمت السفينة رسالة تُجسد عُمان الدولة التي تصون هُويتها بينما تنفتح على الآخر، حيث تتحول كل رحلة إلى مهرجان ثقافي متنقل، يعكس روح التسامح العماني وينقل إلى العالم صورة مشرقة عن الشرق العربي. وأضاف حضور المرأة العمانية في رحلات السفينة إضافة إلى الشباب العماني بُعدا حداثيا وإنسانيا استطاع أن يقترب من الآخر في مختلف القارات ويؤمن أن الأجيال الحديثة قادرة على التشبع بروح الأصالة متى ما كانت الوسيلة متاحة والغاية واضحة.
لكن المتأمل لرحلات سفينة شباب عمان عبر عدة عقود يستطيع أن يصل إلى حقيقة مفادها أن دور السفينة ليس مجرد التعريف بالماضي بل كانت على الدوام نافذة على المستقبل؛ حيث قدمت السفينة نموذجا للتواصل الإنساني المستدام، وأن التراث ليس مجرد ذكريات بل أداة حية تُساهم في التنمية وتدعم الحوار الحضاري بين الأمم. إن الحفاظ على الملاحة التقليدية كعلم وفن، وتقديمه في سياقات دولية كوسيلة للتبادل الثقافي، يبرز قدرة عُمان على المزج بين إرثها العريق وقيمها الحديثة، ما يجعل من السفينة سفيرا عُمانيا يجوب الموانئ العالمية بأشرعة السلام.