رمضان.. صقل النفس وصفاؤها
قبل أيام كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يترقبون حلول شهر رمضان المبارك.. كانوا يستعجلون الزمن ليغشاهم الشهر الفضيل وما به من جوائز إيمانية في الدنيا والآخرة، وجاء الشهر وجاءت بركاته وخيراته، عمَّره الكثيرون بالقيام وقراءة القرآن، وقصَّر فيه من قصَّر وتاب من تاب، ووصل رحمه من وصل.. وامتدت فيه أياد بيضاء كثيرة زرعت الفرحة في النفوس، وكشفت كرب ما كان لها أن تكشف لولا توفيق من الله.
وأحيا العمانيون أمس أول ليلة من العشر الأواخر؛ متحرّين ليلة القدر في أول وتر من عشرها كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-
ورغم فضل العشر الأواخر من شهر رمضان كما هو ثابت في أحاديث الرسول الكريم فإن رمضان كله خير، وكله بركة؛ فهو شهر يصقل الأرواح وينقّيها كما ينقي الأبدان.. شهر يُعيد البسمة إلى النفوس التي تشعر فيه بالأمن والسلام والطمأنينة، يشعر فيه المبتسم بحلاوة ابتسامته،، والمعطي بحلاوة عطائه، والمجتمع بأسرته وعائلته بحلاوة ذلك اللقاء، والمتصالح مع خصومه بحلاوة كل ذلك. وهذه الطمأنينة التي يعيشها المسلم خلال شهر رمضان ويتمنى لو تدوم العام كله مصدرها صفاء القلوب والبُعد عن قبيح القول والعمل، وترك كل مفاسد الأخلاق التي تفرّق الجماعات وتُشعر الناس بالخوف وتضرب الطمأنينة وتشظيها في النفوس كلها.
وإذا كان رمضان شهر الدروس والعبر، وشهر ترويض النفس وشهواتها الحسية والمعنوية، وشهر العطاء؛ فإن على المسلم أن يخرج منه مختلفًا عمّا كان عليه عندما دخله، لا بد أن يخرج وقد ترك رمضان آثاره عليه، على سلوكه وعمله، وعلى صفائه الداخلي وعلاقاته مع الآخرين وإلا فإن صومه يحتاج إلى مراجعة ذاتية قبل أي مراجعة أخرى.
وفي كل يوم مما بقي من الشهر الفضيل تجد المسلم الحريص على صومه يسارع في الخيرات، يستبق الزمن قبل أن ينطوي فلا يعود قادرا على إرجاعه، يبحث عن كل لحظة يسجل فيها حضوره في رمضان لينال أجرها ولينعكس كل ذلك عليه وعلى روحه وسلوكه وعلى صفائه النفسي وعلاقته مع غيره في هذا الكون.
إنها إذن لحظات يتسابق فيها المسلم مع نفسه ليسجل حضوره في لحظات تاريخية قد لا تعود عليه ثانية.. لحظات يشعر فيها بالكون الذي يحيط به، وبالمخلوقات التي تعيش فيه وماذا عليه أن يكون في كل ذلك.. فهل يكون عبدا شكورا ومتخلصا من كل أحقاده ومن شقاقه ونفاقه ليخرج في أول أيام العيد وقد صقلت روحه صقلا ورقت نفسه وتخلصت من كل أدرانها؟