رمضان.. بين اختلاف الرؤية ووحدة الفلسفة
تحرى المسلمون أمس في مشارق الأرض ومغاربها هلال شهر رمضان المبارك، ورغم أن الجميع كان يتحرى هلالا واحدا إلا أن مرجعيات آلية الرؤية كانت مختلفة؛ فالبعض كان يشترط الرؤية البصرية سواء بالعين المجردة أم بالتلسكوب والبعض يستخدم آليات تصوير متطورة جدا لتصوير الهلال، والبعض الآخر كان يعتمد مرجعية الاقتران المركزي أو الاقتران السطحي، وكل مرجعية من هذه المرجعيات تعتمد على قراءة فقهية؛ لذلك أعلن البعض دخول الشهر فيما أعلن البعض أن اليوم الاثنين هو المتمم لشهر شعبان. والجدل في هذا الأمر قديم جدا ومعقد كذلك.
وتبذل سلطنة عمان ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جهودا كبيرة لا تخفى على أحد لتحري دخول الأشهر القمرية، وقد استأنست منذ فترة مبكرة بعلم الفلك بعد التيقن من دقته وتواؤمه مع الرؤية الشرعية للهلال، ووفرت في سبيل ذلك أحدث التلسكوبات التي تعين على رؤية الهلال، ولذلك اعتبرها الكثير من علماء الفلك في العالم أحد أدق الدول في ضبط دخول الأشهر القمرية في العالم الإسلامي، وهذا أمر يشعر الصائم بالكثير من الاطمئنان وهو يبدأ شهره الفضيل، كما يجعله يشتغل بشكل أساسي في صومه وفي عبادته وفي تأمل فلسفة الصيام التي تعد أعمق بكثير من مجرد الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات إلى فكرة التجديد الروحي وضبط النفس وإعادة رسم مساراتها وممارساتها اليومية. وقد أفاض الكثير من العلماء في الحديث عن فلسفة الصوم التي تتجاوز الجانب القريب وهو الامتناع عن الأكل إلى جوانب كثيرة فيما يتعلق بعلم ترويض النفس وكذلك في الجوانب الاجتماعية عندما يشعر الإنسان بلحظات الجوع والعطش فيتذكر غيره ممن يعيشون هذه اللحظة كل يوم، فتتغير قناعاته في أمور كثيرة ومن بينها موضوع التشارك الاجتماعي.
وأثبت العلم الحديث أهمية الصوم في صحة الأجساد وفي التخلص من الكثير من الأمراض، وفي الحقيقة فإن فوائد الصوم لا حصر لها أبدا وفي كل مرحلة زمنية يكتشف الإنسان حقيقة الصوم التي تضاف إلى كونه ركنا أساسيا من أركان الإسلام.
ولأن كل هذه المشاعر وكل هذه الفلسفة التي ينطلق منها ركن الصيام واحدة لدى جميع المسلمين فمن باب أولى أن تكون مناسبة لأن تكون نظرة الأمة متحدة لإخواننا المسلمين الذين يعيشون خلال هذا الشهر الفضيل لحظات صعبة وخاصة من كان منهم في قطاع غزة، حيث يصبحون على وقع المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني، ويمسون على ألم الجوع في ظل حصار ظالم يمنع عنهم أبسط المواد الغذائية التي يمكن أن تبقيهم على قيد الحياة.. ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بوعد الله أن ينصرهم على عدوهم.