دور المثقف في بناء الأمم والمجتمعات
يكثر الحديث في كل المجتمعات عن الأدوار الريادية التي على المثقفين في العالم (بعيدا عن الخوض الآن في تحديد حدود ودلالة المصطلح) القيام بها من أجل المشاركة في بناء الوعي المجتمعي والسير بالمجتمعات نحو المستقبل. وهذا الحديث رغم أهميته إلا أنه يدخل دائما في الكثير من الجدل لا يبدأ بسؤال هل على المثقف دائما أن يكون صاحب رسالة ولا ينتهي قطعا بالسؤال عن مكانة المثقف والمساحة التي يمتلكها في ظل اعتقاده الدائم أنه موجود في الظل القصيّ.
ورغم هذا الاعتقاد الذي يعيش في وهمه بعض المثقفين في العالم العربي بشكل خاص إلا أنه لا يعفي المثقف من دوره الحقيقي في البناء الحضاري كما هو حاصل في مختلف الحضارات عبر التاريخ. ولم يكن دور المثقف أو المفكر بعيدا عن التحديات في أي مكان أو أي مجتمع، بل كان دائما يحمل رسالته التي يؤمن بها ويدافع عنها وعن رأيه، لكنه لم يكن في يوم من الأيام يرضى أن يعيش دون أن يكون له شغف في البناء الحضاري وفي بناء وعي مختلف لمجتمعه ونحو تعزيز قيم التقدم والتحديث والتغيير.
ما يحدث اليوم في العالم العربي أن الكثير من المثقفين وصلوا إلى مرحلة التخلي عن دور بناء الوعي واكتفوا بتبني الآراء الشعبوية والرجعية أحيانا، أو التخلي التام عن دور المثقف عبر التاريخ.
إن الكثير من المثقفين في العالم العربي يحتاجون قبل غيرهم اليوم إلى فهم دقيق لدور المثقف في بناء الدولة، والمكان الذي على المثقف أن يقف فيه دائما.
وفي الوقت الذي تمر فيه المجتمعات العربية بالكثير من التحديات المفصلية في تاريخ هذه الأمة لا يبدو حضور المثقف العربي واضحا في التنظير لهذه المرحلة الانتقالية، وهذا ما كان واضحا في أعقاب ما سمي «بالربيع العربي» حيث بقيت الكثير من المجتمعات العربية في حالة تيه وتخبط أوصلها إلى ما هي عليه اليوم.. وذلك التيه ما زال مستمرا إلى اليوم في لحظة يشهد فيها العالم تحولات بنيوية على كل المستويات والأصعدة.
إن مجتمعاتنا العربية، بشكل خاص، والمجتمعات العالمية، في أمسّ الحاجة اليوم إلى صوت المثقفين والمفكرين والفلاسفة لبناء مسارات آمنة للمجتمعات وقبل ذلك بناء وعي حقيقي بماهية الطريق الذي تسير نحوه، وهي مجتمعات في أمسّ الحاجة إلى مسارات تقودها إلى منابع النور لا إلى حواف الهاوية التي يمكن أن تقوض كل أرصدتها الحضارية والفكرية والمعرفية.
إن دور المثقف ليس مجرد إملاء ما يجب أن تكون عليه الأمة، ولكن لإيقاد الشرارات التي تنير الطريق نحو هذا الهدف. يجب أن يسهم في بناء التفكير الذاتي المجتمعي والتفكير النقدي، ويساعد الوعي الجماعي في التنقل من مرحلة إلى أخرى، وفي المساهمة بمسؤولية في البناء لا في الهدم، وفي تعميق فكر المجتمع لا تسطيحه، وكل هذا لن يكون، ولم يكن يوما، نزهة على الشاطئ.