دروس من حادثة الإسراء والمعراج
رغم مرور أكثر من 1400 سنة على حادثة الإسراء والمعراج على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وقد احتفل بها المسلمون اليوم، إلا أنها ما زالت تُلهم هذه الأمة الكثير من الدروس والعبر التي نحتاج إليها في وقتنا الحاضر، ليس على المستوى الفردي وإنما على مستوى الأمتين الإسلامية والعربية اللتين تعيشان اليوم واحدة من أصعب تحدياتهما.
وبعيدا عن الخلافات التي تثار حول الحادثة سواء ما كان منها حول الإسراء أو ما كان منها حول المعراج الذي يكثر حوله الخلاف هل حدث فعلا؟ وإن كان قد حدث فهل حدث للرسول عليه الصلاة والسلام بالمكاشفة وهو على الأرض، أم بعروجه إلى السماوات العلى، وإن كان بعروجه إلى السماوات هل كان عروجا بالروح أم بالروح والجسد؟ وقد أفاض علماء الأمة منذ صدر الإسلام وحتى اليوم بالحديث حول هذه الحادثة التي جاءت تكريما للرسول الكريم بعد أن تعرض للكثير من الأذى من قومه بعد وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه ويمنعه من قومه وكذلك بعد وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، وبعد ما حدث له في الطائف. وأمام كل هذه التحديات والابتلاءات الكبرى على المستوى الشخصي لحياة الرسول الكريم أو على مستوى الدعوة الإسلامية جاءت حادثة الإسراء والمعراج تكريما للرسول من ربه ولتكون بداية لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية، حيث حدثت هذه الحادثة على أصح الروايات قبل سنة من الهجرة النبوية التي حولت الدعوة من الضيق إلى السعة ومن الجمود إلى الانطلاق ومن الضعف إلى القوة، بل جعلت للدين الإسلامي دولة لها مكانة وهيبة ونفوذ.
إن حادثة الإسراء والمعراج تلهم هذه الأمة اليوم أن بعد كل ضيق لا بدّ أن يأتي الفرج خاصة إذا تمسك الإنسان بمبادئه الصحيحة وتمسك بقضيته ودافع عنها، فبين الحال الذي كان فيه الرسول الكريم قبل حادثة الإسراء وبين ما كان عليه بعد عام واحد حيث هاجر إلى المدينة المنورة فرق شاسع، حيث تحول الضعف إلى قوة بإذن الله. وهذا ما يعطي الإنسان أملا بأن الله سبحانه وتعالى قادر على تغيير كل موازين القوى في لحظة واحدة.
وإن كان النقاش مستمرا رغم كل هذه القرون حول هذه الحادثة فهذا دليل عظمتها ودليل محوريتها في مسيرة الدعوة الإسلامية.. وما يهم اليوم في كل ذلك أن نستلهم العبر والدروس وننطلق منها نحو البحث عن مستقبل أفضل يستطيع الله سبحانه أن يفتحه على هذه الأمة الإسلامية التي هي في أمس الحاجة إليه اليوم.