حرب غزة لا تحتمل يوما آخر
يناقش سياسيون وعسكريون في منطقة الشرق الأوسط وفي أمريكا هذه الأيام قدرة المنطقة على احتمال أن تطول حرب غزة لأشهر قادمة كما أكدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة وكما قال بشكل واضح وصريح رئيس أركان الحرب الإسرائيلي هرتسيليا هليفي: «إن الحرب ستطول أشهرا قادمة» في سياق حديثه حول أهداف الحرب وأكد «ليس من السهل تحقيق أهدافها.. وسنعمل بأساليب مختلفة». إن خسائر الحرب لا تتمثل فقط في الجانب البشري بقطاع غزة وفي جيش الاحتلال الإسرائيلي ولكن تنعكس بشكل جلي على اقتصاد المنطقة والعالم.. فإسرائيل وحدها تواجه خطر انهيار اقتصادها رغم السخاء الغربي في دعمها ماليا وعسكريا، إضافة إلى ذلك فإن اقتصاد الأردن يشهد خسائر كبيرة لا قِبل له بها.. وقالت تقارير أمس إن قطاع السياحة وحده في الأردن يسجّل خسائر قدرها ٢٥٠ مليون دولار في الشهر الواحد. أما الخاسر الأكبر من هذه الحرب فهي مصر، فإضافة إلى ما تواجهه من تحديات أمنية ومن ضغوطات كبيرة في سينا (تم إسقاط مجموعة من المسيّرات أمس قرب مدينة دهب) فإن اقتصادها يواجه تحديات كبيرة بسبب تحويل الكثير من كبريات شركات النقل في العالم خطوطها الملاحية من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح. وفي المجمل فإن جميع دول الجوار أو الدول الواقعة على خط البحر الأحمر تتحمَّل جزءا كبيرا من تكلفة الحرب في الجانب الاقتصادي. وإذا ما استمرت الحرب لأشهر قادمة كما تؤكد إسرائيل فإن المتضرر الجديد سيكون دول الاتحاد الأوروبي التي من المتوقع أن تشهد تضخما في أسعار السلع والنفط والغاز نتيجة تحويل خطوط الملاحة من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح.. وأوروبا أكثر حساسية من غيرها فيما يتعلق بارتفاع الأسعار لأنها تعيش هذا الكابوس الكبير منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ولا يبدو أنها قادرة على المزيد.. ولذلك يتوقع أن يزيد الضغط الأوروبي على إسرائيل لوقف الحرب.
من جانب آخر، فإن إسرائيل بدأت تجني بعض نتائج وحشيتها في غزة؛ حيث بدأت تتلقى الكثير من الأعمال الانتقامية في الخارج كما أكد وزير دفاع الكيان الصهيوني أمس حيث قال «إننا نتعرّض لأعمال انتقامية في كل من العراق واليمن وإيران». وإذا كانت هذه الدول في عداء دائم لإسرائيل فإن الأعمال الانتقامية قد وصلت إلى دول تقيم مع إسرائيل علاقات صداقة قوية مثل الهند؛ التي وقع فيها أمس انفجار بالقرب من السفارة الإسرائيلية.
على أن منطق الأشياء يؤكد أن مثل هذه الأعمال العدائية يمكن أن تزيد خلال المرحلة القادمة وتطال حلفاء إسرائيل وداعميها لاستمرار حربها، كما يتصاعد خطاب الكراهية ضد إسرائيل ليس بين المسلمين فقط ولكن بين الكثير من الشعوب العالمية التي رأت حجم الوحشية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وضد الأطفال والنساء في غياب كل قيم الإنسانية التي تتشارك فيها الشعوب بغض النظر عن الأيديولوجيات.
وفي ضوء كل ذلك من الممكن أن يشهد الخطاب العالمي تحوُّلا جذريا في نظرته لهذه الحرب، كما أن الدول المتضررة اقتصاديا من الحرب قد تتحرك في اتجاهات مختلفة بما يحفظ مصالحها ويحمي أمنها.