حراس القيم والتاريخ الوطني
شهد متحف عمان عبر الزمان خلال الأيام الماضية زحاما كبيرا من الزوار الذين قدموا له من كل مكان، وأشادوا بعد زيارتهم بما يحويه من كنوز تحكي قصة عُمان عبر أكثر من ٨٠٠ مليون سنة هي عمر تشكل هذه الأرض العظيمة التي نعيش عليها.
وذلك الزحام الذي فاق التوقعات بالنظر إلى المعدلات العالمية لزيارة المتاحف في السنوات الأخيرة يدل على اهتمام العمانيين بتاريخهم الطويل ودعمهم المستمر لتوثيقه وحفظه سواء في الكتب والمجلدات أو عبر السرد المتحفي الذي لقي في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا ليس في سلطنة عمان وحدها ولكن في المنطقة الخليجية بشكل عام.
لكن يمكن أن يقرأ متأمل تلك الأعداد الكبيرة التي زارت المتحف خلال الأيام الأخيرة، أيضا، من منظور أن موجات العولمة لم تنسِ الناس قيمهم وتاريخهم العريق ولا تقاليدهم ولا قصصهم الوطنية التي سطروها عبر التاريخ الطويل.
ورغم قوة تلك الموجات العولمية وما تحمله من نزعة استهلاكية فإن المتاحف تقوم بدور حيوي لتكريس الذاكرة الجماعية للأمم والشعوب. وهي بهذا الوصف ليست مجرد مستودعات أو جدران يعلق عليها تراث الإنسان ومنتجه الحضاري ولكنها مكان أساسي لحفظ الثقافة بمعناها المادي والمعنوي؛ لذلك فهي التي تبني في النفوس الإحساس العميق بالهُوية وتكرس فهمنا للماضي وتعزز النمو الفكري، وتساهم في تشكيل مستقبلنا.
ومتحف عُمان عبر الزمان يمتلك كل المقومات التي تجعله يحكي كل تفاصيل أرض عمان وتاريخها عبر الحقب الزمنية الطويلة والمنجز الحضاري الذي استطاع الإنسان العماني أن يراكمه عبر الزمن، كما يحكي قصة النهضة العمانية الحديثة التي نعيش اليوم أبهى تفاصيلها.
ورغم التقدم الكبير الذي تشهده الأمم إلا أن الشعوب الحقيقية لا يمكن أن تقطع صلتها بماضيها وبتاريخها لأن لحظتها الحاضرة هي نتاج ذلك الماضي بكل تحولاته ولا يمكن لأي مجتمع أن يمضي قدمًا دون الاعتراف بجذوره وتقدير جهود وتضحيات أسلافه. المتاحف بمثابة شهادة حية على الرحلة التاريخية لأي شعب من الشعوب.. ومتحف عُمان عبر الزمان يحاول اختصار رحلة عُمان بكل تجلياتها ويقدمها لأجيال اليوم وأجيال المستقبل عبر قصة سرد جميلة وباستخدام أحدث ما توصلت له تكنولوجيا المتاحف من تقنيات حديثة.
وإذا كان الحديث يدور دائما عن التحولات التي تشهدها المجتمعات فإن المتاحف مع هذا الإقبال الذي تشهده يمكن أن تقوم بدور مهم وريادي في تشكيل القيم ووجهات النظر الوطنية. إن المعرفة الحقيقية وفهم التاريخ أمران حيويان لتغذية التعاطف وتعزيز التماسك الاجتماعي وتشجيع المواطنة، والمتاحف تقوم بدور مهم في هذا الجانب كما تمت الإشارة سابقا الأمر الذي يجعل الأجيال تفهم القصة المعقدة والصعبة التي مرت بها الأمة العمانية حتى وصلت إلى هذه النقطة التاريخية المهمة. والمتاحف قادرة أيضا أن تنمي لدى الزوار التفكير النقدي والوعي الحقيقي بالتاريخ عبر استقراء الدلائل الآثارية.
وعلينا جميعا أن ننظر إلى المتاحف بصفتها ركائز أساسية للهوية الوطنية والحفاظ على الثقافة وربط الناس عبر الزمان والمكان، وتعزيز الفهم المشترك للماضي الجماعي للبشرية.