حتى لا يعود العالم إلى حرب كونية مرة أخرى
قبل كل حرب كبرى شهدها العالم عبر التاريخ كانت ثمة إرهاصات وأسباب حقيقية اتضحت معالمها بعد أن توارى دخان الحرب وتبدد، وأعيد كتابة تاريخها بربط الأحداث بعضها ببعض وتحديد الأسباب المباشرة وغير المباشرة والمؤثرات التي زادت في إشعال الحرب وفي إخمادها كما نقرأ في الكثير من أدبيات الحرب ومما تركه لنا المؤرخون عبر التاريخ. وهذا سياق مهم جدا في فهم الأحداث وفي توقع مساراتها عبر تراكم الأحداث وتدافعها.
وما يحدث في العالم منذ أكثر خمس سنوات أو أكثر هو إرهاصات قوية لتغيرات عالمية كبرى لا يمكن تجاهلها ولا تجاهل تأثيراتها على جميع الدول بما فيها الدول البعيدة كل البعد عن صناعة تلك الإرهاصات. وما يحدث منذ فبراير الماضي عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية هو من بين الأسباب المباشرة لصناعة صراع دولي كبير يتعدى حدود روسيا وأوكرانيا إلى الكثير من قارات العالم، ويتعدى فكرة استنزاف دولة من جانب أو ضم أجزاء من دولة أخرى في جانب آخر إلى صراع كبير من أجل تغيير معالم النظام العالمي الذي نعيش فيه بعد أن ثبت، للبعض على الأقل، أنه لم يستطع تجاوز علائق التاريخ ولا صناعة السلام والوئام بين أبناء الأمم والشعوب.
ويرى الكثير من المحللين السياسيين والاستراتيجيين إن سقوط بلدة «ليمان» في يد القوات الأوكرانية بعد أن أعلنت روسيا ضمها إلى الاتحاد الروسي ضمن أربع مناطق وتصديق المحكمة الروسية على ذلك أمس من شأنها أن يشكل أحد الشرارات الخطيرة التي على العالم توقع حجم النار التي يمكن أن تشعلها خلال مسلسل تداعيات الأحداث في الأيام القادمة.
إن الدول الأوروبية التي تعتبر نفسها مهد الحداثة والتقدم ومركز التنوير في العالم بحاجة إلى الذهاب إلى خيار آخر تكون خسائره أقل مما يمكن أن تسببها حرب عامة جديدة في أوروبا. ورغم صعود بعض التيارات الشعبوية واليمينية المتشددة في العالم إلا أن البرلمانات ومراكز صناعة القرار في الكثير من هذه الدول ما زالت تمتلك الكثير من الحكمة والكثير من ذاكرة الحرب التي تعاهد العالم قبل ثلاث سنوات حينما احتفى بمناسبة ذكرى مرور مائة عام على توقف مدافع الحرب العالمية الأولى أن لا يعودوا لمثل تلك الحرب مرة أخرى.