الوعي باللحظة السورية الحرجة
لا أحد يستكثر على السوريين فرحتهم بـ«سوريا الجديدة» التي يتحدثون عنها بعد رحيل الرئيس؛ فخيارات الشعوب تستحق الاحترام والتقدير، وهي وحدها القادرة على استئناف تاريخها والحفاظ على مكتسباتها سواء فـي سوريا أو فـي أي مكان فـي العالم، وقوة الشعب وتماسك نسيجه الاجتماعي والتفافه حول الوحدة الوطنية هو الضمان الأساسي لقوة الدولة وقدرتها على البقاء والصمود.. ولكن لا يجب أن تُنسي الفرحة المأخوذ بها الجميع فـي سوريا وخارجها السوريين حقيقة ما يحدث حولهم، وأطماع الأعداء الكثر المتربصين بسوريا والتي يرونها الآن لقمة سائغة من السهل ابتلاعها فـي ظل غياب الجيش ومؤسسات الدولة، وتواري الحلفاء إلى جوار مصالحهم، وانكفاء الدول العربية الغائبة عن أي مستوى من مستويات الفعل العربي. كما لا يجب أن ينسى السوريون حقيقة ما حدث، وكيف حدث وبسلاح من حدث والسياق التاريخي الذي حدث فـيه كل شيء منذ 2011 ولغاية اليوم فهذا وحده القادر على بناء تصور دقيق للأحداث ومساراتها ومآلاتها. يبدو سقوط الأنظمة سهلًا حتى لو جاء بعد سنوات طويلة من المحاولات، ولكنّ الصعب والأخطر هو ما يحدث بعد ذلك. سواء على مستوى إعادة بناء الدولة وبناء مؤسساتها أو على مستوى احتواء الأحقاد التي تشكلت عبر الزمن سواء كانت أحقادًا حقيقيةً أم أحقادًا بناها الضخ الطائفـي والمذهبي عبر سنوات طويلة من الاستقطاب.
وإذا كانت الشعوب تملك القدرة على استئناف تاريخها متى ما كانت تملك الإرادة فإن سبيل ذلك فـي سوريا الآن هو تجاوز أحقاد الماضي واستقطاباته، والنظر بشكل حقيقي نحو المستقبل، وليس نحو مظالم الماضي، وعدم الانزلاق فـي ما انزلقت إليه دول عربية أخرى مثل: العراق وليبيا والتي عاشت سنوات صعبة جعلتها تتمنى عودة الماضي من شدة بؤس ما عاشته فـي حاضرها المؤلم.
وحدة الأراضي السورية أهم تحد يبرز الآن أمام السوريين دون استثناء وسوريا بكل تاريخها أمانة فـي أعناق جميع السوريين، ولا يجب أن تأخذهم ثنائية الفرحة باللحظة مهما كانت ملتبسة، ولا الحقد على الماضي مهما كان مؤلمًا فـي السماح بتقسيم سوريا بأي شكل من الأشكال فسوريا يجب أن تبقى موحدة، ولجميع المذاهب وجميع القوميات وجميع الديانات وتاريخها للجميع وحاضرها للجميع ومستقبلها للجميع وأي تفريط فـي هذا من شأنه أن يدخل سوريا فـي احتراب عنيف لن ينتهي إلا بتدميرها وهي محاطة بأعداء يتربصون بها ويعملون ليل نهار على تفتيتها وتقسيمها. حفظ الله سوريا ووقاها شر المؤامرات وشر الصفقات.