العمل المشترك: الطريق إلى مستقبل واحد
دعت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أعمال «قمة العشرين» التي اختتمت أعمالها في العاصمة الهندية نيودلهي اليوم إلى أهمية العمل الدولي المشترك من أجل تجاوز الكثير من التحديات التي تواجه دول العالم، وأكدت سلطنة عمان على توافقها مع شعار القمة «مستقبل واحد».
إن فكرة «المستقبل الواحد» تبرز بشكل واضح أمام دول العالم وأمام البشرية خلال الأزمات كما كان عليه الحال خلال أزمة كورونا، وخلال الكوارث الطبيعية الأخرى التي تجتاح العالم.
وفي عصر تنتقل فيه المعلومات بسرعة الضوء، وحيث تبدو حواجز الأعوام الماضية وكأنها تنهار في مواجهة التكنولوجيا، فإن علينا أن نطرح هذا السؤال المهم على أنفسنا: هل نحن متحدون حقا كمجتمع عالمي؟ وبينما يشهد العالم تحديات غير مسبوقة، يتمثل في التدهور البيئي والكوارث الطبيعية، فإن ضرورة أن نفكر بشكل متحد حول المستقبل باتت ضرورة حتمية لقدرة هذا العالم على الوقوف أمام التحديات. إن التحديات التي يواجهها العالم لا حدود لها، وفي كل يوم يظهر تحد جديد أكبر بكثير من التحديات التي كنا نفكر فيها قبل عقد من الزمن. فعلى سبيل المثال فإن التحدي المتمثل في التغيرات المناخية لا يرتبط أبدا بفكرة الحدود الوطنية، وكذلك الأمر بالنسبة للأزمات الاقتصادية التي ما أن تبدأ في رقعة صغيرة من الأرض إلا وتنتقل إلى خارج الحدود والقارات.. ويمكن هنا أن نستذكر الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2008 بالولايات المتحدة وانتشرت منها إلى العالم أجمع، والأمر نفسه الآن فيما يتعلق بأزمة الغذاء الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
يزودنا التاريخ بأدلة كثيرة على مخاطر المساعي المنعزلة. خلال الحرب الباردة، كان سباق التسلح بين القوى العظمى يهدد بالإبادة العالمية، وهو تذكير صارخ بأن المساعي الأحادية الجانب يمكن أن تؤدي إلى الدمار المتبادل. وعلى العكس من ذلك، فإن القضاء على الجدري في القرن العشرين يقف بمثابة شهادة على ما يمكن أن تحققه البشرية عندما تتحد من أجل قضية مشتركة.
إن مبدأ «عالم واحد، مستقبل واحد» ليس دعوة إلى تفكيك الدولة الوطنية أو تفكيك الثقافات التي تميز كل دولة عن أخرى إنما هو نداء للاعتراف بإنسانيتنا المشتركة، كما يتعلق الأمر بفهم أنه في عالمنا المترابط، ترتبط رفاهية الفرد ارتباطًا جوهريًا برفاهية الجميع. هذه ليست مجرد فلسفة أخلاقية. إنه واقع عملي.
وهناك مشكلة هيكلية أساسية يجب علينا معالجتها؛ إن المؤسسات العالمية التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، رغم كونها ثورية في زمنها، لم تعد كافية للتعامل مع التعقيدات التي تفرضها تحديات اليوم، وقد طال انتظار إصلاح هذه الهياكل، التي ترتكز على مبدأ العدالة والاحترام المتبادل. لقد حان الوقت للانتقال من سياسة الهيمنة إلى سياسة التعاون.
وإذا كان العالم يقف في هذه اللحظة عند مفترق الطرق فإن أمامه أن يتخذ خيارا واعيا. يمكننا أن نستمر في السير على طريق الانقسام، حيث تطغى المصالح الضيقة على الصالح العام، أو يمكننا أن نرسم مسارا جديدا، مسارا يحتضن مبدأ «مستقبل واحد». وهذا ليس مجرد هدف طموح بل ضرورة.