الشرق الأوسط.. النيران تظهر من بعيد
لا يمكن تجاهل الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن لقاء حدث في بيروت بين قياديين من فصائل المقاومة الفلسطينية بما في ذلك حماس وقياديون من حركة أنصار الله «الحوثيين»، وحسب وكالة فرانس برس فإنه تم خلال الاجتماع «مناقشة آليات التنسيق بين هذه الفصائل بشأن أعمال المقاومة في المرحلة المقبلة». وهذا اجتماع نادر جدا، رغم ذلك فإنه يحتاج إلى دراسة واهتمام خاصة إذا ما ربط بإعلان زعيم حركة أنصار الله عبدالملك الحوثي يوم الخميس الماضي حول «توسيع دائرة المواجهات ومحاصرة الكيان الإسرائيلي». وقد تشهد المرحلة القادمة توسيع دائرة التنسيق لتشمل العراق وسوريا وربما دولا عربية أخرى تعيش حالة انكسار داخلي بسبب مشاهد الموت ومحارقه في قطاع غزة؛ وترى هذه الجماعات أن مقاومة الاحتلال بأي طريقة كانت هو جزء بسيط من حقها على الشعب الفلسطيني الذي يعيش أخطر إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين؛ لذلك فإن أي نشاط تقوم به سيكون جزءا من المقاومة في سبيل وقف المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني سواء بالقتل المباشر عبر القصف المتواصل منذ 7 من أكتوبر الماضي أو عبر سياسة «التجويع» التي حولت عشرات الآلاف من أطفال غزة الشرفاء إلى «هياكل عظمية».
ورغم أن مقاومة الاحتلال حق مشروع في القوانين الدولية، وفلسطين أرض محتلة وترتكب فيها مجازر مروعة منذ عقود طويلة، إلا أنه لا أحد يريد أن تشتعل المنطقة في حرب واسعة في هذا التوقيت بالذات.. لكنّ الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها فقدت سيطرتها على ربيبتها إسرائيل فهي لا تستطيع الآن أن توقف رغبتها المشتعلة في القتل والتدمير؛ وهذا له نتائجه التي بدأت تتشكل في المنطقة بوضوح تام، ما ينذر بتحولات كبرى خلال المرحلة القريبة. وعلى الولايات المتحدة أن تحمل كل التحذيرات التي تصدر عن أنصار الله على محمل الجد. وإذا كانت عمليات أنصار الله قد اقتصرت خلال المرحلة الماضية على السفن التي تعبر صعودا أو هبوطا في البحر الأحمر فإن المرحلة القادمة قد تتعدى ذلك إلى عمق المحيط الهندي وخط الملاحة المتجه إلى طريق رأس الرجاء الصالح. قد يعتقد البعض أن هذه التهديدات مجرد تسويق إعلامي للجماعة ولكن لم يكن يتصور أحد مقدار التأثير الذي يمكن أن تحدثه تهديدات أنصار الله في خطوط الملاحة في البحر الأحمر، وعلى ذلك يمكن القياس.
والخيار الأكثر أمانا لأمريكا وللاتحاد الأوروبي الذي يبدو أنهم تورطوا كثيرا في اصطفافهم مع المجازر الإسرائيلية أن يوقفوا هذه الحرب الهمجية والظلامية التي يشنها الجيش الصهيوني فورا، ويتداعى العالم أجمع من أجل إغاثة «الجوعى» في غزة.. ويعقد العالم مؤتمرا دوليا ينتهي إلى إعلان دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 على أقل تقدير، على أن تكون دولة كاملة السيادة ويحصل الفلسطينيون على كل الحقوق التي تضمنها لهم القوانين الدولية.
إن بقاء العالم يتفرج على مجموعة من المجرمين المتعطشين للدماء وهم يحرقون غزة ويقتلون أطفالها جوعا هو تواطؤ في الجريمة وعواقبه كبيرة جدا فيما لو اشتعلت المنطقة تحت ذريعة نصرة أطفال غزة.. وهي ذريعة منطقية وتنطلق من أسباب إنسانية بعيدا عن أي اصطفافات قومية أو أيديولوجية أو مناطقية رغم أنها لا تخلو من الوجاهة في بعض القضايا الصعبة.