السياحة المسؤولة
تقف سلطنة عمان على مشارف مرحلة من التنويع الاقتصادي لها طابعها المتفق مع ما تقتضيه من بحث عن مقومات تترجم هذا الهدف واقعًا ملموسًا، ولعل أبرز ما يمكن التعويل عليه راهنا ومستقبلا هو قطاع السياحة لما يتسم به من قابلية للاستدامة، ووجود العوامل الجاذبة؛ لذلك تكرس الدولة جل إمكانياتها لنقل القطاع إلى مستويات أعلى من الجاذبية.
إن التوجه الجاد الذي تنتهجه سلطنة عمان في تحويل القطاع السياحي إلى صناعة لها أثرها الواضح والشامل في تنمية البناء والارتقاء بها إلى مصاف الدول السياحية يحتم ـ إلى جانب ـ البنى الأساسية والترويج ـ وضع أسس وأطر تعكس خصوصية عمان، فكل ما يحمل اسمها لزاما ينطلق من قيمها وثوابتها التي لا تقبل المساومة.
نتحدث هنا تحديدا عن السياحة المسؤولة وهو مصطلح ليس طارئا، فقد سعت الدول لتحقيق الاستفادة القصوى من مقوماتها السياحية توازيا مع الحفاظ عليها، وصونها من مهددات التدخل غير المسؤول، فمثلما تهيئ مواقعها أمام الزائر وتوفر السبل المعينة على الاستمتاع فإنها تنص على القوانين الضابطة للسلوك حفاظا على مكتسباتها واستدامتها.
فأبوابنا مشرعة للجميع ونوافذنا مطلة على الآخر، لكن هذا الانفتاح ليس مدخلا للمساس بالهوية والإضرار بالإرث المتراكم على امتداد الأجيال، ونحن اليوم في وجه مد من التداخل الحضاري والأخلاقي، ولا بد أن نجيد التماهي في أمواجه لنتقن الوصول إلى وجهتنا بأمان.
ومع ازدهار الموسم السياحي في محافظة ظفار خصوصا وباقي محافظات سلطنة عمان عموما فإننا بصدد استقبال أفواج من السياح بمختلف مشاربهم وجغرافيتهم واضعين نصب أعيننا مؤسسات وأفرادا أن نحسن وفادتهم في سجية ألفناها ـ نحن العمانيين ـ دون تكلف أو تصنع، وكذا على الزائر أن يكافئ ذلك باحترام خصوصية السياحة العائلية التي تنشط في بلدنا.
إذ يبدو أن بعض الأفراد يجهل أو يتعامى عن كثير من المحاذير التي تتنافى مع الذوق العام بدءا بالمظهر المتمثل في ما يلبسه مرورا باقتحام خصوصية الآخر، وإزعاجه، وصولا إلى إتلاف الممتلكات والتعدي على الطبيعة متناسيا ما قطعه من أميال ليحظى بفرصة جمال المكان وهدوئه.
ولعل ما يذكي كثيرا من السلوكات المرفوضة رغبة بعضهم في وضع موطئ قدم من «إثارة الجدل» في وسائل التواصل الاجتماعي، إما تأثرا بقدوة لا ترقى للاقتداء أو بحثا عن محتوى هش لا تهمه أداة الوصول إليه، فيتخبط بين إتلاف المساحات الخضراء وظهور مقيت على منصات التواصل وغيرها من السعي إلى غاية لا يشد إليها الرحال.
وهنا نذكّر الجميع بأن كل مساس بمقدرات هذا الوطن يقابله درجة مساوية من الردع، فالتوعية النشطة والإعلام الفاعل لا يدعان مجالا لادعاء الجهل بالمحاذير.
وتظل عمان وجهة سياحية لها خصوصيتها من التفرد والجمال مرحبة كعادتها بالجميع.