الحرب تتمدد خارج قطاع غزة
تمددت الحرب خارج نطاق قطاع غزة رغم حرص الكثير من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أن لا تتمدد، وتبقى إسرائيل في مواجهة جبهة قتال واحدة فقط. كان قلق إسرائيل الأكبر، وكذلك أمريكا بالطبع، أن لا يدخل حزب الله طرفا مباشرا في الحرب؛ فإسرائيل، حتى بدعم أمريكي كامل، لا تستطيع فتح جبهة قتال جديدة بحجم جبهة حزب الله الذي تفوق إمكانياته العسكرية إمكانيات حركة حماس بعشرات المرات. وبقيت أنظار العالم وحاملات الطائرات الأمريكية تراقب الجنوب اللبناني حتى لا تتحول العمليات المحدودة التي يقوم بها الحزب في الجبهة الشمالية إلى حرب شاملة ضد إسرائيل، ولم يتوقع أحد أن جبهة جديدة يمكن أن تُفتح ضد إسرائيل وسياساتها من مكان بعيد.. ولذلك لم يعر البعض التهديدات اليمنية التي أطلقتها جماعة «أنصار الله» الاهتمام الحقيقي.. حتى فاجأ العالم بقبضته على مضيق باب المندب.. أحد أهم الممرات المائية التي تعتبر معبرا استراتيجيا للتجارة العالمية.. وبشكل خاص لأوروبا التي تستقبل عبره النفط القادم من الخليج.
واللافت أن تمدد الحرب لم يكن بالقرب من إسرائيل، بل تمددت في مكان يبعد عنها بأكثر من ١٦٠٠ كم.. وفي منطقة صراع دام منذ أكثر من سبع سنوات.
ورغم أن أنصار الله أكدوا أنهم يستهدفون فقط حركة النقل المتجهة إلى إسرائيل انتقاما من الحرب التي تشنها ضد قطاع غزة إلا أن الغرب يرى أن الأمر أكثر تعقيدا من هذه التصريحات.. خاصة أن الأمر يتعلق بالاقتصاد.
استطاعت العمليات التي قامت بها جماعة «أنصار الله» استشعار الخطر الكبير، ولفت ما حدث في المضيق أنظار العالم أسرع بكثير مما لفتت الحرب على قطاع غزة رغم أن عدد الوفيات تجاوز ٢٠ ألفا منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.. فالتجارة العالمية هي اللغة التي يفهمها العالم ويخشاها، وتمر من مضيق باب المندب حوالي ٤٠٪ من التجارة العالمية، وفي النصف الأول من العام الجاري مر من هذا المضيق حوالي ١٢٪ من كمية النفط المنقول بحرا في العالم.. وبعد أن حولت بعض شركات النقل العالمية أساطيلها إلى رأس الرجاء الصالح فالمتوقع أن تتضاعف تكلفة النقل إلى حدود ٣٠٪ ما يعني أن أسعار السلع والخدمات في أوروبا قد ترتفع إلى حدود ١٥٪ ما يعني كارثة جديدة تضاف على أوروبا إضافة إلى ما تكبدته بعد الحرب على أوكرانيا.. بهذا المعنى يتضح أن الأمر خرج من نطاقه الإقليمي إلى النطاق العالمي.
لكن السؤال المهم الآن، هل سيستطيع التحالف العسكري الذي أعلنت عنه أمريكا يوم الاثنين وحمل اسم «حارس الازدهار» أن يمنع تمدد الحرب؟ إن المشهد العام في المنطقة يشير إلى خلاف ذلك، وستكون مغامرة أمريكية غير محسوبة العواقب في حالة قامت أمريكا وحلفاؤها بعمليات عسكرية في اليمن، فأي صراع عسكري هناك من شأنه أن يزيد التوتر وقد يتضاعف استهداف السفن التجارية وكذلك العسكرية التي تمر في البحر الأحمر، ولا يمكن في هذا السياق نسيان ما حدث للمدمرة الأمريكية كول في عام ٢٠٠٠.
وقد يخرج الأمر من البحر الأحمر إلى مساحات أخرى في المنطقة. وأعلنت الثلاثاء إيران تدشين قوات الباسيج البحرية وهي قوات تتبع الحرس الثوري قومها وفق ما أكد الجنرال علي رضا تناسيتي قائد القوة البحرية في الحرس الثوري، ٥٥ ألف مقاتل و٣٣ ألف قطعة بحرية جلها من الزوارق الحربية السريعة جدا.
إن التحالف الأمريكي الجديد من شأنه أن يزيد الصراع إلى جبهات جديدة ويتحول الهدف من «ضمان حركة الملاحة لكل البلدان وتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين» كما قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى صراع أوسع تدخل فيه قوى جديدة.. وتدمر فيه بلدان أخرى.
إن الخيار الآمن أمام أمريكا وحلفائها من الغرب بشكل خاص هو وقف الحرب على غزة فورا والسماح بدخول الإغاثة إلى قطاع غزة وفتح جميع المعابر وفتح مستشفيات ميدانية تستطيع تقديم المساعدة لأهالي غزة الذين خذلهم العالم أجمع وسمح بدعم واضح من الغرب بإبادتهم.