الحرب الأخطر التي على وشك الاندلاع
لا يمكن في مثل هذا اليوم الذي سيستذكر فيه الملايين من الناس في العالم الانطلاقة الأولى لحرب «طوفان الأقصى» التي أحدثت زلزالا كبيرا في العالم، إغفال مرحلة مهمة وخطرة جدا على وشك أن تبدأ من هذه الحرب إذا ما أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديداتها وردت على القصف الإيراني بقصف مواقع حساسة وإستراتيجية في إيران مثل المنشآت النووية والنفطية والقواعد العسكرية. هذا الرد الذي يبدو أنه، مع الأسف الشديد على وشك الحدوث، يمكن أن يشعل حربا لا تنتهي بين الطرفين لا تلبث أن تسحب معها دولا وجماعات أخرى وربما، بناء تحالفات عسكرية جديدة.
يمكن تصور الرد الإسرائيلي في ظل امتلاكها ترسانة أسلحة فتاكة بفضل جسر التمويل الأمريكي الذي لم يتوقف طوال العام الماضي، إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة.. لكن لا يمكن تصور الرد الإيراني سواء كان في داخل العمق الإسرائيلي أم ضد المصالح الأمريكية داخل مياه الخليج العربي الذي قد يتحول إلى مسرح العمليات الرئيسي.
تمتلك إيران عمقا استراتيجيا كبيرا ومسرح عمليات يمتد لآلاف الكيلومترات واحتياطيات ضخمة من النفط والغاز وخطوط إمداد متنوعة من كل الاتجاهات تقريبا، ما يعطيها الأفضلية في عملية الدفاع عن نفسها في مقابل العمق الإستراتيجي الضيق جدا لإسرائيل والتي توجد في حيز جغرافي يحيط به خصومها من كل اتجاه.
لا تمتلك إيران قبة حديدية كتلك التي تمتلكها إسرائيل، ولا تملك دولة راعية مثل أمريكا، لكن القبة الحديدية الإسرائيلية أثبتت فشلها خلال الهجوم الإيراني مطلع الشهر الجاري. ورغم ادعاء إسرائيل أن الهجوم الإيراني لم يكن فعّالا إلا أن صور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها بعض المواقع المتخصصة تثبت فعالية الهجوم الإيراني الذي بدا أنه لا يريد إلحاق خسائر فادحة مادية وبشرية بإسرائيل لأسباب مفهومة جدا. وحتى لو استطاعت القبة الحديدية أو البارجات الأمريكية وبعض الدول العربية التعاون من أجل إسقاط الصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى إسرائيل فإن نسبة من تلك الصواريخ يمكن أن تصل إلى أهدافها وتصنع تحولا كبيرا وخطرا داخل إسرائيل التي يشعرها سكانها أنها لم تعد حلمهم «الرومانسي الأثير».
إن لعبة الصواريخ التي يمكن أن تبدأ بين إيران وإسرائيل عبر الرد والرد على الرد لن تكون في صالح إسرائيل المنهكة عسكريا واقتصاديا وشعبيا نتيجة ضغوطات الجبهة الداخلية بعد أطول حرب في تاريخ الكيان الإسرائيلي دون تحقيق الأهداف الآنية التي بحث عنها الداخل الإسرائيلي. والهروب إلى الأمام لا يمكن أن ينفع نتنياهو في حربه مع إيران؛ لأن الرد هنا يكون مختلفا بالكامل عما هو عليه خلال العام الماضي.
ولا خيار أمام إيران إلا الدفاع عن مشروعها النووي الذي وصل إلى أمتاره الأخيرة إذا ما كان قد اجتازها بالفعل، وإذا ما فشلت في الدفاع عن هذا المشروع فإنها ستكون في مأزق خطير جدا داخليا وخارجيا. لكن الواضح أن إيران تملك إمكانيات الدفاع عن نفسها في معركة مثل هذه بشكل جيد دون تجاهل أو تقليل من الإمكانيات الإسرائيلية المدعومة بشكل كامل من أمريكا.
هذا المشهد العسكري إذا ما تحقق ولو بشكل جزئي فإن منطقة الخليج العربي ستكون في خطر، وصور الثمانينيات خلال الحرب العراقية الإيرانية ما زالت حاضرة في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوا تلك الحرب أو قرأوا عنها.
لا أحد يريد مثل هذه الحرب رغم الطغيان الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود واستهتر بمصائر البشر وحيواتهم. وما دامت الرصاصة الأولى لم تخرج من بيت النار ما زال هناك مساحة للدبلوماسية لمنع حريق ضخم في الشرق الأوسط، وهذا ما تستطيعه الآن أمريكا وحدها. أما إذا تراخت في السعي إليه فإن عليها هي الأخرى مواجهة الأخطار المتوقعة، بحكم منطق الحرب إن كان لها منطق، على مصالحها ومصالح حلفائها. ويمكن أن يتبرع من يذكر الرئيس الأمريكي بايدن أو وزير دفاعه ببيت شعر قالته الخنساء: «ومن ظن ممن يلاقي الحروب/ بأن لا يصاب فقد ظن عجزا».