التغير المناخي والضرورات الوطنية الملحة
لم يعد الحديث عن التغير المناخي في العالم ضربا من التكهنات، إنه أمر واقع يؤثر في العالم كما لم يؤثر من قبل، بل ويلح على الحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية جماعية وفردية. وفي هذا السياق نظمت كلية الدفاع الوطني بأكاديمية الدراسات الاستراتيجية والدفاعية الأسبوع الماضي برنامجا مهما ناقش «التغير المناخي والحياد الصفري» وهو برنامج ضمن برامج عديدة تنظمها الجهات المعنية في سلطنة عمان لدراسة الظاهرة ووضع مسارات عملية للتعامل معها.
وتتأثر سلطنة عمان مباشرةً بالتغيرات المناخية التي يشهدها العالم سواء من خلال أنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها، والتهديد الذي يتعرض له التنوع البيولوجي، ومع تسارع هذه التغيرات وحدتها يبدو أن على سلطنة عمان وضع هذا الأمر ضمن أولويات أمنها الوطني وبذل كل الجهود الممكنة من أجل بناء الاستراتيجيات الوطنية للتقليل من الأخطار المحدقة نتيجة ما يشهده الكوكب من متغيرات حقيقية.
ويشكل تغير المناخ، الناجم عن الزيادة المستمرة في انبعاثات الغازات الدفيئة، تهديدا كبيرا لبيئتنا وأسلوب حياتنا. ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن درجات الحرارة العالمية في طريقها للارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2040 إذا استمرت الاتجاهات الحالية. وستؤدي هذه الزيادة إلى تفاقم وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، واختلال النظم البيئية وفق ما تقول الهيئة. أمّا سلطنة عُمان فإنها تتأثر منذ عدة سنوات بالتغيرات المناخية خصوصًا في زيادة عدد الحالات المدارية، التي وصلت أحيانا إلى أعاصير من الدرجة الخامسة، وبمنخفضات جوية أو أخاديد من منخفضات جوية وصل تأثيرها التدميري إلى مستوى أعاصير كما هو الحال لمنخفض «المطير» ما يعني أننا في مواجهة مباشرة مع تأثيرات المتغيرات المناخية وأن على الجميع العمل من أجل الحد من شدة التأثيرات سواء عبر بناء الوعي الجمعي أو عبر بناء الاستراتيجيات الوطنية أو عبر المساهمة في التقليل من الانبعاثات الكربونية.
إن التنمية المستدامة في سلطنة عمان على المحك في ظل كل هذه المتغيرات المناخية التي تتأثر بها سلطنة عمان ضمن ما يتأثر بها العالم أجمع؛ لذلك لا بد من الانتقال إلى مرحلة العمل الجماعي من أجل الهدف الوطني عبر الاستراتيجية الوطنية التي تشمل البرنامج الوطني للحياد الصفري وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز الممارسات المستدامة في جميع القطاعات.. وفي هذا السياق، فإن سلطنة عمان في حاجة اليوم للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون الذي يمكن عبره تحقيق هدفين: الأول معالجة المخاطر البيئية، وثانيا توفير فرص حقيقية للتنوع الاقتصادي وخلق فرص عمل نحن في أمس الحاجة إلها.
إن موضوع الحياد الصفري، الذي تتم عبره الموازنة بين كمية الغازات الدفيئة المنبعثة مع الكمية المزالة من الغلاف الجوي، خطوة أساسية في مكافحة تغير المناخ، ووضعت سلطنة عمان خريطة طريق للوصول إلى هذه المرحلة في عام 2050 وهي جادة في هذا المسير عبر العديد من المبادرات وبناء السياسات والأنظمة التي تعزز التكنولوجيات الخضراء والممارسات المستدامة، وإعطاء الأولوية للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
والوعي العام مهم جدا لنجاح كل هذه البرامج والمبادرات الوطنية، فموضوع الكربون يتعلق بالممارسات الفردية كما يتعلق بممارسات الشركات الكبرى والدول؛ لذا فإن الجميع مطالب بالعمل على تقليل بصمته الكربونية التي يمكن أن تدفع العمل الجماعي نحو الأمام.
والخبر الذي على الجميع أن يعيه تماما: إن موضوع التغير المناخي بات واقعا نعيشه في حياتنا ويؤثر فيها بشكل كبير.. وبشكل كارثي في بعض الأحيان، ولا خيار إلا أن نتعامل مع الأمر ونعمل بشكل علمي على تقليل خسائره من خلال تبني الممارسات المستدامة والاستثمار في التقنيات الخضراء.