التضخم.. بين الأسباب والحلول
تؤثر الحالة السياسية التي يمر بها العالم اليوم على النمو الاقتصادي والمالي في العالم أجمع. وصنعت التحولات السياسية والعسكرية التي بدأت مع الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي حالة من عدم اليقين حول مسارات الاقتصاد في العالم، وجاء اللايقين هذا بعد مرحلة مأسوية مرّ بها الاقتصاد العالمي خلال جائحة فيروس كورونا وما صاحبها من أزمات مالية. وفي الوقت الذي كان على الاقتصاد البدء في مرحلة التعافي وتعويض الخسائر الكبيرة خلال الجائحة استفاق العالم على صوت مدافع الحرب الأوكرانية وما يصاحبها إلى الجوار من حرب بناء النظام العالمي الجديد وتأسيس محاوره وأركانه. وانعكس كل ذلك على المواطن في العالم عبر صعود التضخم إلى أرقام قياسية تجاوزت في بعض البلدان حاجز 11% كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية.
وانعكس التضخم على القوة الشرائية للأفراد، وهذا بدوره أثر في حركة الاقتصاد وفي توجهات المستثمرين، ثم على الإيرادات المتوقعة من الشركات؛ منتجًا حركة كبيرة في تسريح العمال، وهذا بدوره قلل من طلب المستهلكين على السلع والخدمات وزاد من حدة الانكماش الاقتصادي، وهذا كله زاد مرة أخرى في ارتفاع التضخم.! وكما هو واضح فإن الأمر عبارة عن دورة يؤثر بعضها في الآخر وليس من السهل كسرها، ويحتاج الاقتصاد من أجل التعافي منها إلى عدة سنوات إذا توفرت له العوامل والأسباب.
لكن ما سبق هو أحد مسارات التضخم، في حين أن هناك مسارا آخر قد يبدو معاكسا.. ففي الحروب تزيد الحكومات من الإنفاق على الجوانب العسكرية وكذلك البنية الأساسية وبعض الخدمات، وهذا الإنفاق المرتفع في سبيل كسب الحروب أو كسر الأعداء يزيد من الطلب على الخدمات والسلع مما يسهم في ارتفاعها ارتفاعا كبيرا، خاصة أن الحروب، أيضا، تسهم في تعطيل سلاسل التوريد كما حدث مع سلاسل توريد الحبوب التي كانت تصدّرها كل من روسيا وأوكرانيا للعالم.. وعلى المستهلك أن يتحمل كل هذه التكاليف الناتجة عن الصراعات والحروب.
وكما هو معروف فإن التضخم يسهم في تحويل الكثير من الأسر من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة، كما يفاقم أعباء الطبقة الفقيرة وطبقة المتقاعدين وذوي الدخل المحدود والثابت.
ورغم أن الدول تتدخل من أجل كبح جماح التضخم وتقليل تأثيراته على الأفراد، فإن تدخلها يؤثر سلبا على الأفراد في المدى القريب، ولذلك ينظر إليه باعتباره زيادة في العبء فيما هو على المدى المتوسط ينقذ الأفراد من استمرار صعود التضخم إلى درجات لا يمكن تحملها.
وعلى سبيل المثال ينظر البعض إلى رفع البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، وبالتالي رفع الكثير من البنوك المركزية في العالم سعر الفائدة كما فعل البنك المركزي العماني، على أنه عبء جديد على الأفراد يمكن أن تستغله البنوك التجارية. لكن الحقيقة أن هذا الإجراء يعد خيارا عمليا بهدف التقليل من المعروض النقدي في الاقتصاد، وما زال يثبت نجاحه ويسهم في تقليل حدة ارتفاع التضخم. وبالرغم من أنه لا أحد يريد الحديث عن موضوع فرض الضرائب فإن فرضها كان على الدوام أحد حلول كبح التضخم في العالم، وهذا ما يؤكده علماء الاقتصاد.
وإذا كان الحديث عن الحلول الواجب تطبيقها من أجل تجاوز محنة التضخم التي تؤثر على الجميع فإن من بين الخيارات العملية المهمة خيار الادخار، حيث يتحول المواطن من متأثر كبير بالتضخم إلى أداة من أدوات الحل عبر توفير المال، حيث يساعد توفير المال من قبل الأفراد وتقليل الإنفاق في بناء ما يعرف في علم الاقتصاد بـ «الوسادة المالية» التي تحمي الجميع من التضخم.
كما يسهم الاستثمار بحكمة في الأصول مثل العقارات والأسهم في بناء حلول أخرى، وتميل مثل هذه الأصول، في العادة، إلى الارتفاع في قيمتها بمرور الوقت، مما يساعد في تعويض التأثيرات الناتجة عن التضخم.
ومن بين الحلول التي يطرحها علماء الاقتصاد على الأفراد لتقليل تكاليف التضخم موضوع ترشيد الإنفاق وجعل التسوق من أجل الحاجة وليس بوصفه شهوة من الشهوات التي تستشري في العالم أجمع أمام إغراءات المنتجات والإعلان عنها.