البعد الثقافي والفكري في التوجهات الاستراتيجية العمانية
لا يمكن بناء صورة ذهنية حقيقية عن سلطنة عُمان في معزل عن تاريخها الطويل، ومنجزها الثقافي والفكري، والمساهمة الكبيرة في الحضارة الإنسانية عبر عشرات الآلاف من المخطوطات والكتب في مختلف صنوف المعرفة.. وما راكمته عبر قرون طويلة من مبادئ وقيم هي اليوم مكون أساسي ضمن مكونات العمانيين وضمن مكونات الدولة العمانية.
وانطلاقا من هذا الطرح، فإن سلطنة عمان تضع دائما في اعتبارها خلال التخطيط لمشروعاتها المستقبلية أن تكون المشروعات الثقافية حاضرة وبقوة.. فرغم توجهات الدولة نحو إعطاء الجوانب الاقتصادية زخما كبيرا عبر التأسيس لاستثمارات عملاقة في مختلف المجالات إلا أن هذا لم يوقف المشاريع المعنية بالثقافة وتعظيم المنجز الحضاري والتاريخي لسلطنة عمان.. وفي هذا العام على سبيل المثال افتُتح متحف «عمان عبر الزمان» الذي يعدّ أحد أضخم المتاحف في المنطقة، ويرصد تاريخ أرض عمان ومنجزها الإنساني والحضاري عبر ملايين السنين، وهو بحق أحد أهم الوجهات السياحية في سلطنة عُمان التي تستثمر في التراث والتاريخ وتوثق تاريخ الإنسان عبر مختلف الحقب الزمنية.
وأمس وقع صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب اتفاقية إنشاء مجمع عُمان الثقافي، الذي يعدّ أحد أضخم المشروعات الثقافية في سلطنة عمان، ويضم المكتبة الوطنية التي طال انتظارها إضافة إلى المسرح الوطني وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وبات هذا المجمع/ الحلم على مرمى البصر حيث نصت الاتفاقية على ألا تتجاوز المدة الزمنية للإنشاء ثلاث سنوات.
وهذا المشروع الثقافي من شأنه أن يسهم في حفظ الكثير من مفردات الإرث الحضاري العماني، حيث ستستقر فيه مئات الآلاف من الوثائق والمخطوطات والمحفوظات العمانية الشاهدة على تفاصيل التاريخ العماني العريق، وما حققه العمانيون من منجزات في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والفكرية والاجتماعية، إضافة إلى ما يمكن أن تضمه المكتبة الوطنية من الكتب المطبوعة والمخطوطة والتي ينتظر أن تكون علامة بارزة من علامات سلطنة عمان وملتقى ثقافيا وفكريا إلى جوار المسرح الوطني.
إن مثل هذه المشروعات الثقافية والفكرية من شأنها أن تسهم في حفظ التراث والتاريخ إضافة إلى دورها في بناء وعي معرفي يرقى بأجيال عُمان.
وإذا كان مشروع متحف عُمان عبر الزمان قد فتح أبوابه ومشروع مجمع عُمان الثقافي في الطريق وكذلك مشروع متحف عُمان البحري الذي ينتظر أن تعلن تفاصيل جديدة حول مساره، فإن هذه المناسبة تستحق التذكير بمشروع لا يقل أهمية عن مجمع عمان الثقافي وهو مشروع يمكن أن يحمل اسم «مركز السلطان هيثم للبحوث والدراسات الاستراتيجية»، ويمكن أن يتضمن مشروعا للترجمة من مختلف لغات العالم الحية التي تنتج علما ومعرفة، فما أحوج عُمان لمثل هذا المشروع الذي تتجاوز أهميته عُمان وحدها، ولكنه يمكن أن يكون منارة علمية عربية ينبثق نورها من سلطنة عمان ليضيء العالم العربي في هذه اللحظة التاريخية المهمة من عمر العالم الذي يشهد تحولات جذرية كبرى في مختلف المجالات.