الإنسانية العالمية في مرآة غزة
تقصف إسرائيل المستشفيات بشكل مباشر فيتطوع قادة الدول الغربية للدفاع عنها وتبرئة ساحتها ويحال الاتهام إلى صواريخ حماس. يستهدف جيش الاحتلال سيارات الإسعاف ويُحَول الجرحى إلى أشلاء متناثرة على الإسفلت فيقول الغرب: كانت تحمل مصابين من حركة حماس! يقتل الجيش الذي لا يقهر آلاف الأطفال والنساء، فتقول الصحف الغربية في تغطيتها الصحفية «حسب ادعاء حماس»، تنشر وكالات الأنباء صورا لمئات الشهداء ملفوفين في أكفان بيضاء تقطر دما فتكتب الصحف الأمريكية: ما بدا للوهلة الأولى أن أطفالا ملفوفون في تلك الأكفان! يقتحم الجيش الذي يخوض حرب «الحضارة»، بحسب وصف نتانياهو، مستشفى الشفاء بعد أن قطع الكهرباء والماء والدواء وقتل الأطفال الذين وضعوا على الأجهزة، والكبار الذين يحتاجون إلى الأوكسجين وكل ذلك أمام شاشات الفضائيات فيصمت الجميع حتى الانتهاء من مونتاج السردية الجديدة التي باتت معروفة، وهي أن جيش الاحتلال قد وجد في وسط المستشفى مخابئ لحماس وأسلحة دمار شامل، وربما شط الخيال بالسردية، ما دامت أساطير إسرائيل لا تنتهي، للقول بأنهم وجدوا أسلحة نووية! فالمطلوب هو سرد مُسوّغ بغض النظر عن صدقه أو حتى منطقيته وإلا فإن الصورة الحقيقية قد باتت واضحة للجميع حول هذه الحرب الغاشمة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة.. ويعرف القادة الغرب كما تعرف وسائل الإعلام الغربية حقيقتها ومسارها وأهدافها.
لقد تحرك ضمير الشعوب في مختلف دول العالم، بعد أن ظن البعض أنه قد مات، وخرجوا في مظاهرات مليونية للتنديد بالمجازر والمحارق الكونية التي يرتكبها الكيان الصهيوني لكن ضمائر القادة الغرب ومؤسساتهم التي تستطيع وقف مجازر إسرائيل لا تستيقظ، ولا يبدو أنها يمكن أن تستيقظ أبدا.. ففكرة المجازر واحدة مات فيها ألف أو عشرون ألفا.
إن ما يحصل في غزة عار سيبقى عالقا على جبين البشرية تتناقله الأجيال جيلا بعد آخر، سيطارد الجميع في منامهم، وعندما ينظرون في أعين أطفالهم، سيحيط بهم ويحاصرهم، كيف كانوا يستطيعون إنقاذ آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة ولم يفعلوا، ولم يحركوا ساكنا، بل مدوا الكيان الغاصب بالدعم والتشجيع وزودوه بالصواريخ والطائرات والآليات العسكرية ورفضوا رفضا قاطعا وقف إطلاق النار أو حتى مجرد طرحه كمبادرة إنسانية.
لقد فضحت وجوه أطفال غزة الغرب وعرته ووضحت قيمه وأخلاقه ومبادئه على المحك، كما فضحت الضعف والخنوع العربي، وساهمت في تشظية ما كان يحاول التماسك. إنه منعطف خطير جدا في تاريخ الأمة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وما بعد غزة، مع الأسف الشديد، سيكون أسوأ بكثير مما كان قبلها فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه ولا شيء يشير إلى خلاف ذلك.
هذا هو المشهد الإنساني كما بدا في المرآة ولا عزاء لأحد.. لا عزاء.