اكتساب ثقافة الادخار.. ضرورة حتمية
مع كل أزمة تمر بها الدول أو الجماعات البشرية لا بد من الخروج بدروس وعبر للاستفادة منها في المستقبل، فالأزمات والتحديات التي تمر على الدول أو حتى على الأفراد لا تلبث أن تعود مرة أخرى، وإذا لم نكن قد استفدنا من العبر التي استخلصناها بأنفسنا أو استخلصها غيرنا فإننا سنبقى نخسر دائما، ونعاني طويلا.
والأزمات المالية التي مرت على العالم خلال العقود الماضية أفرزت الكثير من العبر التي تحدث عنها الجميع في وقتها، وعادت الأزمة المالية، وكرست تأثيرها الجائحة الصحية وباء فيروس كورونا التي سنبقى نتذكرها طويلا سواء لتأثيرها الصحي أو تأثيرها الاقتصادي والمالي على الدول والأفراد. ورغم أن سلطنة عمان من بين الدول التي دخلت مرحلة التعافي المالي والاقتصادي نتيجة التدابير والسياسات المالية التي أسهمت بشكل كبير في التعافي إلا أن العالم استيقظ على أزمة جديدة هي أزمة التضخم التي بدأت في في الدول الغربية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة ونتيجة سياسات التعافي من «كوفيد» ونتيجة الحرب التي تدور بين روسيا وأوكرانيا، قبل أن يتم استيرادها إلى دولنا الخليجية، وتؤثر على الجميع.
وأزمة التضخم تحتاج أن نقابلها بثقافة جديدة مستخلصة من عبر وتجارب محلية أو عالمية وهي ثقافة الاستهلاك المعتدل، وكذلك ثقافة الادخار، التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم. فلا يمكن أن نتحدث عن تضخم، وفي المقابل يبقى الاستهلاك كما هو، أو لا نذهب إلى خيار الادخار.. رغم أن هذه الخيارات مطلوبة في جميع الأوقات، سواء كان هناك تضخم أو تراجع في أسعار السلع الضرورية أو الكمالية.
وتقوم البنوك المركزية في العالم في سياق علاجها للتضخم برفع أسعار الفائدة بحيث تكون القروض مكلفة فلا يذهب إليها إلا مضطر، وفي المقابل تكون أسعار الفائدة على المبالغ المودعة في البنوك مرتفعة فيودع الناس أموالهم أو يقللوا من استهلاكها من أجل الحصول على الفوائد. وفي هذا الخيار الاقتصادي الذي نطرحه بشكل بسيط جدا تبرز ثقافة الاقتصاد في الاستهلاك وثقافة الادخار.
إنَّ حديث الناس اليوم في عمان عن ارتفاع أسعار السلع الذي يعرف بمصطلح التضخم هو نتيجة طبيعية لما يحدث في العالم وانعكاسه على زيادة أسعار بعض السلع وبعض الخدمات رغم أن سلطنة عمان من بين الدول التي ما زال التضخم فيها في حدود معقولة «2.4%» بالمقارنة بمعدل التضخم العالمي.. ولكن لا بد أن نكون منصفين أيضًا أن أي ارتفاع في أي سلعة مهما كان بسيطا سينعكس سلبا على معيشة الناس بسبب تراكم الأزمات التي بدأت بتراجع أسعار النفط. ولأن دورة الاقتصاد تشمل كل شيء فإن أسعار النفط أثرت على كل دورة الاقتصاد من ألفها إلى يائها.
وتبرز هنا في سياق نشر ثقافة الاستهلاك الجديدة والادخار أدوار مؤسسات المجتمع المدني للتوعية بها وبأهميتها وكذلك أدوار غرفة تجارة وصناعة عمان في جميع المحافظات لنشر آليات التعامل مع هذه الأزمات وزراعة وعي مناسب بها انطلاقا من مسؤوليتها الاجتماعية لما في ذلك من فوائد اقتصادية واجتماعية بحتة.
كما أن تعزيز ثقافة الادخار والاستثمار المالي من شأنها أن تفرز حياة مالية مستقرة وناجحة، وغرسها في نفوس المواطنين تحقق الأهداف المالية المرسومة من قبل الفرد والمؤسسة وفق مستوى الدخل الشهري وتجنب الوقوع ضحية التعثر في الديون.