ازدراء الأديان ليس «حرية تعبير»
ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يُقدم فيها متطرفون غربيون على حرق نسخ من القرآن الكريم تحت مسوغ «حرية التعبير»!، إنه خط تاريخي مستمر من التطرف في العالم الغربي، وتأجيج الكراهية والإمعان في صناعة «الإسلاموفوبيا».
وخلال الأيام الماضية فقط أُحرق القرآن الكريم مرتين: الأولى التي أجّجت المشهد في العالم العربي وفي الكثير من العواصم الغربية هي حادثة إقدام المتطرف راسموس بالودان زعيم حزب سترام كوكس أو، في السويد على إحراق القرآن الكريم أمام السفارة التركية في استوكهولم، بعد أن أخذ إذنا من السلطات هناك، وتلاها أمس إقدام متطرف آخر في مدينة لاهاي في نيذرلاند على تمزيق نسخة من المصحف الشريف في استفزاز لمشاعر المسلمين والتحريض على العنف والكراهية. وهناك نماذج كثيرة تحدث كل يوم في المدن الغربية تستفز المسلمين وتحرّض على العنف ضدهم إلا أنها لا يكتب لها أن تخرج من إطارها الضيق إلى وسائل الإعلام.
والواضح أن هذه الحوادث، مع تكرارها وتوقيتها، ليست عرضية أو فردية حتى لو نُسبت إلى متطرفين أفراد، ولكنها توجه سياسي لدى شرائح واسعة في العالم الغربي. ومن يتتبع ما يقوم به زعماء اليمين المتطرف في أوروبا، على سبيل المثال، سيعرف حجم العداء للإسلام والمسلمين والمهاجرين.. ويجري توظيف هذا العداء سياسيا في الدعايا الانتخابية، ومع الأسف الشديد، فإن هذه الدعايا تنجح واليمين المتطرف في أوروبا في صعود، وهذا أمر لا يقلق الدول الإسلامية فقط وإنما يقلق الغرب نفسه الذي بدأ فعلا يتوجس خيفة من هذا الصعود وما يمكن أن يؤثر به في الغرب على علاقاته مع الآخر.
ولا تعني الإدانات الغربية التي خرجت من بعض الدول أن ثمة ما يمكن أن يتغير في المشهد ما دام هناك تأكيد أن الأمر «حرية رأي».. ومن بين تلك الإدانات إدانة رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، الذي قال عبر حسابه الرسمي في تويتر: «حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما» وفي هذا اعتراف أن ما قام به راسموس قانوني ويدخل فعلا ضمن حرية التعبير. وهذا يعيد طرح السؤال الكبير حول الديمقراطية في الغرب: هل هي ديمقراطية تتآكل فعلا؟! وهل من معاني الديمقراطية ازدراء الأديان وتأجيج الكراهية بين الشعوب والحضارات؟!
إن مثل هذه الحوادث لن تقلل من مكانة الدين الإسلامي بل ستزيد التعريف به ونشره، لكنها في المقابل ستزيد الهوة بين المسلمين والغرب وتؤجج الكراهية بينهما، وعلى الدول الغربية إن كانت «جادة» في تبنّيها لقيم التسامح والتقارب أن تجرّم في قوانينها ازدراء الأديان وتُعيد تعريف مفهوم حرية الرأي والتعبير وحدودهما بحيث لا تتحوّل تلك الحرية إلى أداة تأجيج وتحريض.