اجتماعات مسقط.. ومستقبل دول مجلس التعاون
لا يمكن النظر إلى الاجتماعات المستمرة التي يعقدها أصحاب المعالي والسعادة وزراء ووكلاء الوزارات في دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة العمانية مسقط هذه الأيام إلا من زاوية عودة الروح لمجلس التعاون الخليجي بعد أن أثبتت التجارب السياسية والاقتصادية في المنطقة وكذلك التحولات العالمية أن المخاطر التي قام بسببها المجلس ما زالت ماثلة للعيان، بل إن تلك المخاطر تعقدت أكثر وأكثر الأمر الذي يحتم على دول مجلس التعاون الخليجي تنسيق جهودها وتضافرها من أجل تجنيب دول المجلس الكثير من الأخطار التي تحيط بها من كل الاتجاهات.
ورغم أن مجلس التعاون قد مر بمنعطف خطير جدا قبل عدة سنوات إلا الجذور الواحدة لشعوب المنطقة والمصير المشترك جعلت دول الخليج العربية تستطيع العودة إلى نقطة اللقاء والتآزر والفهم الحقيقي لصيرورة الأحدث.
إن الزخم الخليجي الذي تشهده العاصمة مسقط هذه الأيام يؤكد فيما يؤكده أن دول الخليج ذاهبة إلى مزيد من التعاون والتكامل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا كان النظام الأساسي الذي قام عليه المجلس في عام 1981 ينص على هذا التكامل فإن الدافع الأكبر هو شعوب المنطقة الذين ما زالوا يتطلعون وبكثير من الإصرار إلى أن تخطو دول مجلس التعاون خطوات أكبر في مسيرة التعاون الجماعي أو الثنائي بين دولها، وتجاوز كل التحديات التي تكون في الغالب انعكاسات لتحديات عالمية.
ومن نافل القول إن دول مجلس التعاون تشترك في العديد من المصالح، بما في ذلك التنويع الاقتصادي والأمن ومواجهة التهديدات الإقليمية مثل الإرهاب والتشدد، والخطر الذي يهدد الهُوية العربية والإسلامية وقيمها الأخلاقية ومبادئها الإسلامية إضافة إلى تحديات استمرار الاعتماد على النفط بوصفه مصدرا أول للدخل في وقت يشهد فيه العالم حملة ضد الطاقة الأحفورية إضافة إلى أخطار التغيرات المناخية التي تؤثر على الخليج العربي بموجات مخيفة من الجفاف إضافة إلى خطر الأعاصير النشطة في المحيط الهندي.
ورغم تعدد هذه التحديات إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي ما زالت قادرة مجتمعة على إحداث تغيرات جذرية في كل التحديات السابقة، وفي مقدمتها إرساء مبادئ التسامح والسلام، ونبذ العنف الناتج عن بعض الخطابات المتشددة التي لا أساس لها في الدين الإسلامي الحنيف، إضافة إلى قدرة الدول الخليجية للتحول من إنتاج الطاقة الأحفورية إلى إنتاج الطاقة الخضراء النظيفة والمساهمة في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وبناء مشاريع اقتصادية مشتركة قادرة على إحداث تحولات جذرية في الطبيعة الاقتصادية في دول المنطقة.
ويشكل التكامل الاقتصادي جانبا محوريا في مسيرة نجاح دول مجلس التعاون الخليجي. إن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي يجعلها لاعبا مهما في الاقتصاد العالمي. ومن الممكن أن يؤدي تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء إلى زيادة التجارة والاستثمار والرخاء المشترك. ولا شك أن القوة الاقتصادية تستطيع أن تنعكس إيجابا على القوة السياسية الخليجية متى ما كان صوت دول المجلس صوتا واحدا منطلقا من مبادئها الراسخة القائمة على خلفيتها التاريخية والحضارية.
إن التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يجمعها بشكل دائم ومستمر على أرضية واحدة تنطلق منها رؤيتها لمختلف القضايا التي تدير منظومة علاقاتها الدولية ومواقفها السياسية المشتركة.