اجتماع تاريخي يتجاوز حدود جدول الأعمال
يجتمع في سلطنة عمان اليوم أصحاب السمو والمعالي والسعادة وزراء الرياضة والشباب في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو اجتماع يخرج من دوريته السنوية ليحمل قيمة تاريخية ومفصلية وذلك بالنظر إلى القضايا الكبيرة التي على المجتمعين استشعار الخطر منها ما يدفع إلى دراستها ومناقشتها والبت العاجل في آليات التصدي لها.
وإذا كانت بنود من قبيل العمل الخليجي المشترك والخطط الاستراتيجية والأنشطة والبرامج التي تنفذها وزارات الرياضة والشباب في دول المجلس هي بنود دائمة الحضور على جدول أعمال الوزراء بحكم طبيعة عمل وزاراتهم، فإن المتغيرات الجديدة التي تدق ناقوس الخطر وتؤثر بشكل مباشر على الهُوية الخليجية وعلى الأفكار والقيم والمبادئ المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف وعلى الأسر والمجتمعات وتماسكها تحضر بقوة في أي اجتماع يناقش الشأن الثقافي والشأن الشبابي في المنطقة الخليجية والعربية، وهي تحضر اليوم أكثر من أي وقت مضى.. وهي في الحقيقة قضايا باتت تثير الكثير من الأسئلة ليس في العالم العربي فقط ولكن حتى في الدول الغربية التي ما زالت بعض مجتمعاتها متمسكة بالقيم الإنسانية الأصيلة ولو في حدها الأدنى.
إن العالم يمر اليوم بمنعطف خطير جدا تُطرح فيه بشكل عالمي مدعوم ومنظم أفكار هدامة على المستوى الديني أو المستوى القيمي الإنساني تستهدف الشباب بشكل خاص وتأتي مغلفة بشعارات برّاقة تُغري وتأسر من يسمعها لكنّ هدفها الحقيقي الهدم ونسف القيم الأصيلة المستمدة من الأديان ومن الفطرة الإنسانية، وتفكيك المجتمعات إضافة إلى نشر الفوضى والدمار فيها.
إن الأجيال الخليجية الشابة بحاجة اليوم إلى برامج وأنشطة كثيفة تعمل جميعا من أجل تكريس الهوية الإسلامية الحقيقية والمستنيرة التي تتمسك بقيمها ولكن في الوقت نفسه المنفتحة على التجارب العالمية وعلى الثقافات الإنسانية الأخرى لإثراء الحياة وتنوعها وهذا لا يمكن أن يتأتّى في سياق الحديث عن التأثير والتأثر دون أن يكون لدى هذه الأجيال إيمان قوي وصادق بقيمها ومبادئها وتكون قادرة على التفكير الناقد وعلى فرز الأفكار القادمة عبر الكثير من الأوعية الإعلامية الموجهة في زمن السماوات المفتوحة.
إن الأمر يحتاج إلى استراتيجية تشترك فيها جميع الوزارات في دول مجلس التعاون الخليجي للوقوف صفا واحدا في وجه أي أفكار وتيارات تهدف إلى ضرب القيم والمبادئ والعادات والتقاليد الإسلامية وتكريس حضور القيم الأصيلة عبر بناء وعي حقيقي قادر على التأثير وواع برسائل التأثر الخارجية، وهذه مهمة كبرى لأنها تهدف إلى بناء ثقافي ضخم جدا في مقابل ضخامة وخطورة الهجمة الجديدة. وإذا كانت هجمة «الحضارات» الأخرى على الحضارة الإسلامية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عبر تكريس خطابات التطرف والإرهاب فإنها في الوقت الحالي تتم عبر نسف القيم وتمييع المجتمعات ونشر الأفكار الشاذة المخالفة للفطرة الإنسانية.
ولذلك فإن المهمة أمام أصحاب السمو والمعالي والسعادة في اجتماعهم اليوم صعبة جدا ولكنها تاريخية ومدعومة بالإرادة السياسية والشعبية في دول المجلس، وهي مهمة على الجميع أن يكون شريكا فيها، ولكن بعقل وحكمة واتزان.