إسرائيل.. واللحظة التاريخية الحرجة!
لا صديق لإسرائيل إلا أوهامها ومصالحها، ومن يعتقد غير ذلك عليه أن يراجع أوراقه جيدا. وفي كل يوم تثبت إسرائيل أنها منبع تطرف «الدولة» في العالم، من أعلى قمة الهرم فيها إلى جميع المستوطنين الذين يغتصبون الأراضي الفلسطينية ويشردون أهلها أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.
وإذا كانت بعض دول العالم، وبينها أمريكا، وبعض المتابعين للقضية الفلسطينية من سياسيين ومفكرين وإعلاميين، قد فاجأتهم تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش حينما عرض خريطة لإسرائيل تضم أراضي الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة وتصريحه بإزالة بلدة حوارة من الوجود وإنكاره حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، فإن الغرابة تكمن في الاستغراب نفسه وفي عدم فهم عقلية المحتل الإسرائيلي بعد كل هذه السنوات التي كشفت للجميع حقيقة الإسرائيليين ونواياهم ما ظهر منها وما بطن.
هكذا كانت «دولة» الاحتلال منذ وجودها قبل ما يزيد على سبعة عقود، لكنّ حكومتها اليوم برئاسة نتانياهو أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا عبر تاريخ الكيان، رغم هول ما حدث في الماضي، وهي تسير في أكثر طرقها وعورة، وهو طريق لا يحيطها وحدها بالخطر وإنما يحيط المنطقة بأسرها في لحظة حرجة وملتبسة من لحظات تاريخ الشرق الأوسط ومن تاريخ العالم الذي يعاد تشكيل موازينه على قواعد مختلفة.
وتثبت إسرائيل بالأدلة القطعية للعالم أجمع أن ادعاءات قادتها خلال العقود الماضية أنهم يمثلون الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط، ليست أكثر من وهم لا يثبت ولا يستقيم أبدا أمام حقيقة الأفعال التي تحدث على أرض الواقع ولم يعد يجهلها أحد أبدا.. ونفذت إسرائيل، تحت دعوى الأمن القومي المزعوم، أفعالا وسياسات تنتهك أبسط حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين، كما تنتهك القوانين والمواثيق الدولية فيما يخص الدول المحيطة بها.. ورغم الشعارات التي ترفعها بين حين وآخر تحت ذريعة السلام والتطبيع، إلا أنها لم تستطع حتى الآن أن تقنع أحدا أنها يمكن في يوم من الأيام أن تؤمن بمبدأ السلام أو تحترم القوانين الدولية.
وكل ما تقوم به إسرائيل سواء من أفعال على الأرض سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في سوريا أو في لبنان أو في دول عربية وإسلامية تبدو أياديها واضحة فيها، كل ذلك يعمل على إدامة دائرة العنف والكره والتطرف وتقويض أي آمال في تحقيق سلام دائم في منطقة أحوج ما تكون إلى السلام.
وإذا كان العالم ينظر اليوم إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة باعتبارها حكومة متطرفة ومتشددة فإن هذه الحكومة تبني مجتمعا إسرائيليا يمينيا وتشجعه على التطرف والعنف.
وأمس أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي أنها أرسلت خطابا إلى وزير الخارجية الأمريكي للتنديد بتصريحات وزير المال الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموطريتش حول تصريحاته بضرورة «محو» بلدة حوارة الفلسطينية.
وندّد وزراء خارجية دول المجلس في خطاب إلى انتوني بلينكن بتصريحات الوزير المتطرف، ودعا المجلس في رسالته «الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحمل مسؤولياتها في الرد على كافة الإجراءات والتصريحات التي تستهدف الشعب الفلسطيني».
وحثها على «القيام بدورها للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لقد حان الوقت لكي تدرك إسرائيل أن سعيها المستمر لسياسات متطرفة ليس فقط مفلسا أخلاقيا، بل هو أيضا إفلاس استراتيجي في مرحلة تدعي فيها إسرائيل إنها مهتمة بتطبيع علاقاتها مع الدول العربية رغم أن هذا ليس أكثر من وهم يقع فيه من لا يفهم حقيقة إسرائيل.
يراقب العالم إسرائيل وهي تخوض هذه اللحظة الحاسمة من تاريخها.. هل ستبقى في طريق التطرف والعنف أم ستختار السلام الذي يعطي الفلسطينيين حقوقهم التاريخية؟ ستحمل الإجابة على هذا السؤال الكثير من التداعيات العميقة ليس على دولة الاحتلال فقط وإنما على منطقة الشرق الأوسط بأسره وما جاوره.