أمير الكويت.. حياة تفوق الرحيل
إذا كانت صفة «التواضع» أكثر صفة تم تداولها اليوم في أخبار وتقارير تأبين أمير دولة الكويت الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح، طيّب الله ثراه، فإن أكثر صورة، وربما أهمها، تم تداولها له من اليوم الذي أعلن عن دخوله إلى المستشفى إثر العارض الصحي الذي ألمّ به وما صاحب تلك الصورة من دعوات له بالشفاء العاجل تؤكد التواضع نفسه وتكشف، أيضا، عن حجم ثقته بنفسه، ويقينه بربه.. تظهر الصورة الأيقونية الشيخ نواف وهو يقرأ القرآن في مكان قصيّ بأحد مساجد الكويت بعيدا عن أي مظهر من مظاهر البذخ أو الحراسات الزائدة التي تثقل كاهل الحكام وتقيد حركتهم. إنها الصورة التي تختصر حياة الشيخ نواف الأمير والإنسان المتواضع والتقي المؤمن بربه.. لقد عدل الأمير بين أبناء شعبه فاستحق أن يعيش حياة آمنة مكللة بحب شعبه وأمته العربية.
وما عزز حب الكويتيين للشيخ نواف تفانيه الكبير في الوقوف مع القضايا الإنسانية سواء كان ذلك داخل الكويت أم خارجها، ولذلك كانت سنوات حكمه الثلاث ملهمة ومؤثرة رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها الكويت خلال فترة حكمه سواء التحديات الصحية إثر جائحة فيروس كورونا حيث تسلم الحكم في ظل جائحة صحية قاتلة أثّرت على العالم أجمع، وكان لها تبعات اقتصادية كبيرة على دولة الكويت كما على غيرها من دول العالم.. وانعكست كل هذه الأزمات على الشأن الكويتي الداخلي وجرت خلال هذه الفترة انتخابات مجلس الأمة أكثر من مرة وصاحب ذلك إعادة تشكيل للحكومة.. وعلى الرغم من كل هذه المحن إلا أن أمير الكويت الراحل استطاع أن يقود بلاده إلى بر الأمان على كل المستويات متجاوزا التحديات السياسية والأمنية القريبة والاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بالكويت. وقاد أمير دولة الكويت الراحل حملة مصالحات وطنية بعد سلسلة مراسيم أميرية متواصلة للعفو والإفراج عن سجناء بهدف نزع فتيل الاستقطابات الداخلية وفتح حوارات بنّاءة بين مختلف قوى الشعب الكويتي.
وأكمل أمير دولة الكويت الراحل الجهود التي بذلها سلفه الأمير صباح الأحمد في التوسط بين الدول العربية لنزع فتيل الخلافات العربية العربية وساهمت جهوده في استعادة العلاقات داخل البيت الخليجي وتخفيف التوترات الإقليمية، الأمر الذي سمح له بالتركيز على القضايا الكويتية الداخلية.
وإذا كان رحيل الأمير خسارة كبرى للكويت والعالم العربي فإن ما يخفف الحزن هو حياته الحافلة بالأعمال الإنسانية وتفانيه في العمل من أجل الكويت.. ما يعني أنه لم يرحل، بل هو حيٌّ بأعماله وذكراه الطيبة التي ستبقى تسرد قصته في خدمة الكويت وأهلها.