أمريكا.. الشريك في الحرب على غزة
لا يمكن الآن وبعد استخدام أمريكا لحق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة أن نقول إن دولة الاحتلال الإسرائيلي وحدها التي تشن الحرب على قطاع غزة، وتغتال الأطفال والنساء هناك، وتهجر أكثر من 1.8 مليون فلسطيني من القطاع في ظروف إنسانية صعبة جدا بشهادة كل المنظمات الأممية. إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نفسها بوصفها النموذج الديمقراطي الأعلى تقدما وحامية حقوق الإنسان في العالم شريك أساسي في هذه الحرب وفي قتل أكثر من 17 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم أطفال، وفي هدم كل البنى التحتية بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومحطات تحلية المياه في القطاع.. لا شيء يستطيع أن يبرئ أمريكا من كل ذلك لأنها لا تبرئ نفسها، هذه هي الحقيقة التي ينبغي على المجتمع الدولي، إن كان ثمة مجتمع دولي أساسا، أن يعيها تماما ويتحرك ضمنها فهذه الحرب تبدأ وتنتهي من واشنطن قبل تل أبيب.
وهذه الحقيقة لا تأتي نتيجة لاستخدام أمريكا أمس حق «الفيتو» على مشروع قرار وقف إطلاق النار والذي قُدم لدواع إنسانية بحتة بعد شهرين من بدء المجازر في غزة، ولكن يستند، أيضا، على أن أمريكا كانت منخرطة في الحرب منذ أيامها الأولى حينما حرّكت أسطولا بحريا مكونا من حاملتي طائرات وعشرات من القطع البحرية الحربية وآلاف الجنود وطائرات استطلاع متطورة، واستخدمت أسلحتها المتطورة في قصف المدارس والمستشفيات وفي قتل آلاف الناس المحتمين بمنازلهم. وأمس طلبت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن من الكونجرس الأمريكي الموافقة على بيع إسرائيل 45 ألف قذيفة لدبابات ميركافا الإسرائيلية لاستخدامها في قصف غزة! هذا الطلب جاء في اليوم التالي لاستخدام «الفيتو» في إشارة واضحة تقول: نحن لا نقف ضد وقف إطلاق النار فقط.. ولكن نشعل الحرب بأسلحتنا المتطورة! وفي أكثر من مناسبة قال بايدن ووزير خارجيته بشكل واضح لا لبس فيه: نحن ضد وقف إطلاق النار!
إن هذا التورط الأمريكي في هذه الحرب المخزية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وبأسلحة أمريكية من شأنه أن يعيد ترتيب الكثير من الملفات بمنطقة الشرق الأوسط وتعيد التوازنات فيها وتفتح مسارات لعلاقات أكثر استراتيجية باتجاه الشرق في لحظة تعي فيها أمريكا تماما أن العالم يشهد متغيرات جذرية ويعاد رسم تحالفاته وموازين قواه من جديد.. بل إن هذا «الفيتو» الظالم الذي استخدمته أمريكا قد يكون هو أحد أسباب تمدد الحرب خارج قطاع غزة. وأمس حذرت إيران من وقوع «انفجار لا يمكن السيطرة عليه» في منطقة الشرق الأوسط إذا واصلت أمريكا دعم إسرائيل في الحرب ضد حماس. وكان أحد أكبر مخاوف أمريكا، والغرب بشكل عام، أن تخرج الحرب عن السيطرة ويدخل فيها حزب الله المدعوم من إيران وبالتالي تدخل إيران في المواجهة المباشرة مع إسرائيل فيما لو أقدمت إسرائيل على استهداف طهران أو مصالحها في المنطقة بشكل مباشر.
ورغم أن ما أقدمت عليه أمريكا ليس مفاجئا ولا غريبا في السياق التاريخي للوجود الإسرائيلي في المنطقة، فمنذ نشأتها لم تكن لتستطيع البقاء دون حماية من دولة «عظمى»، فبدأت بغطاء بريطاني ثم انتقل الغطاء والحماية لأمريكا التي انتقلت لها الحركة الصهيونية إلا أن الإدارات الأمريكية السابقة لم تنخرط في دعم القتل وارتكاب جرائم الحرب وهتك القيم الإنسانية بهذه الصورة التي نراها اليوم.
إن هذا المسار ليس في صالح أمريكا وإن كانت تعتقد أنها تحمي به إسرائيل، فالاحتقان في العالم العربي ينتقل من كونه ضد إسرائيل فقط إلى أن يكون ضد أمريكا وضد الغرب ولا أحد أبدا يريد أن تعود التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة مرة أخرى.. وإلا فإن الشعور بالظلم والمهانة في العالم العربي قد وصل إلى حده الأقصى.