أطفال غزة يموتون جوعا.. والصمت جريمة
تخشى الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية أن يتحول الموقف الشعبي العربي الداعم للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية إلى عداء بيّن لها وتحريض عليها وعلى مصالحها في الدول العربية والإسلامية أو حتى في عقر دارها عبر ملايين اللاجئين العرب والمسلمين الذين يعيشون أوضاعا صعبة لا تخلو من المهانة والعنصرية في بعض الأحيان. لكنّ هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي لديها سلطة كبيرة على إسرائيل وفق حقائق التاريخ لا تفعل أي شيء لمنع تنامي هذا العداء، بل على العكس، فهي تُظهر للعالم أجمع أنها متورطة مع إسرائيل في جرائمها المرتكبة في قطاع غزة وفي مقدمة تلك الجرائم «حرب التجويع» التي تهدد عشرات الآلاف من الأطفال بالموت جوعا، وقد بدأ مسلسل الموت بالفعل إما بتأثير الجوع أو الجفاف ناهيك عن الموت بسبب الأمراض الفتاكة المنتشرة في القطاع بسبب الأحوال الصحية.
وبعد الحماية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل باستخدام «الفيتو» الظالم بات العالم يدرك تماما أنها شريك رئيسي في كل ما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني، أما رميها للوجبات الغذائية من الجو فهو دليل على ضعف إدارتها لا دليل على إنسانيتها المفقودة.
إن العالم الذي يشاهد موت آلاف الأطفال جوعا في شمال غزة ووسطها دون أن يتحرك بشكل عملي بطريقة توقف إسرائيل عند حدها وتقدم حماية للأبرياء، خاصة إن كان قادرا على ذلك، هو شريك أساسي في الجريمة التي لا يمكن أن تُنسى أبدا؛ فمشاهد الصور المؤلمة التي تبثها وكالات الأنباء للأطفال الذين يتضورون جوعا تبقى راسخة في الأذهان، فلا يمكن أن يتذكر أحد إسرائيل في يوم من الأيام في معزل عن هذه الصور، وفي معزل عن كل الجرائم والمجازر المروعة التي ارتكبتها في قطاع غزة خلال الأشهر الخمسة الماضية. ولا يمكن أن يتذكر أحد الرئيس الأمريكي جو بايدن إلا ويستذكر مقولته الداعمة لما تقوم به إسرائيل من جرائم: «ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، وأنا صهيوني»، ولا يمكن أن يتذكر أحد أمريكا إلا ويتذكر صورة يد ممثلتها في مجلس الأمن وهي ترفع يدها مستخدمة حق «الفيتو» في إشارة لا تخفى رمزيتها إذا ما قورنت باليد المرفوعة في تمثال الحرية.
ليكن بايدن ما شاء أن يكون، يهوديا أو صهيونيا أو إنجيليا يمينيا متشددا، ولكنّ الدولة التي يرأسها تقدم نفسها بأنها دولة «ليبرالية» وكانت قوتها الناعمة تتمثل في ثقافتها وقيمها الديمقراطية والليبرالية، اتفقنا معها أم اختلفنا، ولكنها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فإنها نسفت كل تلك القيم التي ينص عليها الدستور، والتي تأسست عليها أمريكا، بما في ذلك قيم حقوق الإنسان، وهي تقف عاجزة، رغم أنها تقدم نفسها قائدة للعالم، عن وقف المجازر والجرائم المخزية لأي قيمة إنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وفي مقدمتها تجويع الأطفال حتى الموت ناهيك عن قتلهم وتمزيقهم إلى أشلاء.
وإذا كانت أمريكا ترى أن موت المدنيين «مفهوم» من وجهة نظرها في ظل حرب مثل هذه الحرب، فكيف تستطيع أن تقنع أحدا أن «التجويع»، أيضا، مفهوم في هذه الحرب! إنها بذلك تؤكد أن كل ما تقوم به إسرائيل من جرائم غير مفهوم أبدا، وهي ليست جرائم عرضية على هامش حرب، إنها المتن الحقيقي للحرب كلها؛ فقتل المدنيين بالطريقة التي رآها العالم طوال الأشهر الماضية هو متن الحرب وليس هامشها، وعملية التجويع هي متن الحرب وليس هامشها، وكل جريمة ارتكبت في غزة هي المتن وليست الهامش. فهل سيخجل العالم من نفسه وهو يرى كل قيمه ومبادئه تنهار وتداس بالدبابات والمجنزرات من أجل مجموعة مجرمين وصهاينة يمينيين متشددين يحكمون إسرائيل، وكل جرائمهم التي ارتكبوها حتى الآن لا تخدم مشروع إسرائيل نفسه، رغم أنه مشروع واهم، إنما تخدم مصالحهم السياسية الفردية وتؤجل وقوفهم خلف القضبان إلى حين.