800 مليون سنة من الزمن العُماني
عندما يتفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- اليوم بافتتاح «متحف عُمان عبر الزمان» يكون هذا الكيان الحضاري العريق والضارب في القدم، قد حفظ أكثر من 800 مليون سنة من تاريخ هذه الأرض العظيمة وتاريخ إنسانها وسجلات أمجاده في متحف ضخم وعصري قادر على صونها من الضياع والاندثار لقرون طويلة قادمة، وعرضها أمام الأجيال القادمة حتى يستمر شعورها بالفخر مما أنجزه أسلاف هذه الأرض عبر الأزمنة السحيقة.. والشعور بالفخر والانتماء، دائما، هو أحد شروط الشعور بالأمان في الحاضر وفي المستقبل وفق ما يقرره علماء النفس. كان التاريخ العماني وما زال أحد أهم ركائز بناء المستقبل، وبناء المتاحف التي تحفظ ذلك التاريخ العظيم هو أحد ضمانات استقرار المستقبل على المستوى المادي والمعنوي. يقول عاهل البلاد المفدى في خطابه التاريخي بمناسبة العيد الوطني الخمسين: «شكل إرثنا التاريخي العريق، ودورنا الحضاري والإنساني الأساس المتين لإرساء عملية التنمية التي شملت كافة ربوع سلطنة عمان على اتساع رقعتها الجغرافية».
ولذلك لا غرابة أن يكون افتتاح «متحف عمان عبر الزمان» حدثا تاريخيا استثنائيا في مسيرة عُمان، ويفخر به جميع العمانيين الذين يشعرون أن فيه كنوز تاريخهم العريق، وتاريخ أسلافهم، وأرضا صلبة ينظرون من فوقها نحو آفاق مستقبلهم، ولا شك أن شأنا كبيرا سيكون للمتحف في مسارات البناء الثقافي والحضاري لعُمان الحديثة ولشعبها الطموح.
وتاريخ عُمان تاريخ حافل بالمنجزات التي سطرها العمانيون عبر الحقب التاريخية، وتستحق أجيال اليوم والأجيال القادمة أن تطلع على تاريخ أرض عُمان وحقبها الجيولوجية التي شهدت تحولات بيئية كبرى منذ الأزمنة السحيقة حتى تشكلت على النحو الذي نعيشه اليوم. كذلك مرت حياة إنسان هذه الأرض منذ أقدم أثر مادي له قبل 11 ألف سنة بالكثير من التحولات والمنعطفات والمعارف التي راكمها السكان وشكلت هُوية العمانيين.
وإذا كانت أجنحة المتحف الداخلية تضم الكثير من الكنوز وحكاية أرضٍ وإنسانٍ عمرها أكثر من 800 مليون سنة، فإن المتحف، نفسه، بوصفه مبنى يعد تحفة معمارية باذخة الجمال تضاف إلى منجزات عُمان ومنجزات نهضتها الحديثة؛ فهو مبنى رغم حداثته الطاغية إلا أنه منتمٍ إلى البيئة المحيطة به، بل إنه يبدو وكأنه جزء أساسي من المكان حيث صنعته عبقرية التصميم ليكون على شكل سلسلة جبال الحجر، ويميل في الاتجاه الذي تميل ناحيته تلك الجبال الشامخة. وقد صمم المبنى ليستطيع الصمود من الداخل والخارج في وجه كل المتغيرات البيئية ولمدة 500 سنة قادمة.
ويتضمن مبنى المتحف مركزا للمعرفة نقلت إليه مكتبة حصن الشموخ لتكون إضافة معرفية ويكون المتحف مركز إشعاع وتنوير، ويضم مركز المعرفة معملا للأفكار وآخر للابتكار تقام فيه دروس علمية وتصاغ فيه الأفكار.
وإذا كان المتحف يضم كل ذلك الكم من تاريخ أرض عُمان وتاريخ إنسانها فإن آخر جناح من أجنحة المتحف يمر عبره الزائر وهو يغادر رحلته المتحفية الباذخة بالتفاصيل هو جناح الإلهام وهو جناح معني بتصورات المستقبل ورحلة إنسان عُمان بكل منجزاته التاريخية نحو ذلك المستقبل الذي يحلم به الجميع.