No Image
ثقافة

هل تبحث عن هدف من متابعة الأفلام؟

22 يونيو 2024
22 يونيو 2024

لا يختلف اثنان على أن السينما هي قوة اجتماعية واقتصادية هائلة، يقودها صانعوها، فتحتل مكانتها بين الشعوب مهما اختلفت وتباينت المستويات الفكرية والثقافية والعمرية، لتجد لها ملاذا في قلوب الشغوفين بها، وعلى الرغم مما يزعمه البعض أن الأفلام قد تكون مضيعة وقت، ولا يمكن أن تخرج معها بفائدة أو مغزى، ولا يمكن اعتبارها أكثر من مجرد وسيلة ترفيه، إلا أن آخرين يرونها من أعظم الاختراعات، وتأثيراتها تعم لا تخص.

دار نقاش بيني وبين أصدقاء قبل أيام حول الأفلام، كان الحديث حول أفلام الرعب، والتي يهرب من متابعتها كثر من الجمهور، ليقول أحدهم: "ما الذي أجنيه من هدف في متابعة فيلم يثير مخاوفي؟"، لأجيبه: "وهل نحن نتابع الأفلام بحثا عن هدف؟"، ورغم أن النقاش هنا طال، ووجهات النظر تباينت، إلا أني بدأت البحث بشكل أعمق، فوجدت أن هناك الكثير من الدراسات التي بحثت في مشاهدة الجمهور للأفلام الهادفة من غيرها.

إحدى الدراسات كانت لجامعة "أوهايو ستيت" حيث أنشأ الباحثون قائمتين من الأفلام، التي تم إنتاجها بعد عام 1985، تضمنتا تصنيفات مشاهدة عالية، اشتملت إحداهما على أفلام هادفة والأخرى كانت لأفلام أقل أهمية،

وبعيدا عن تتبع نتائج الدراسة في عدد الذين يشاهدون الأفلام الهادفة والتي تفوق حتما على تلك الأقل أهمية إلا أننا نتساءل هنا: أليس مفهوم الهدف أوسع من مجرد أن يجد المتلقي نتائج من خلال مشاهدة فيلم ما؟ وهل هناك تصنيف معين للأفلام الهادفة من سواها؟ ومن الحكم في ذلك؟

الشهية لمتابعة فيلم ما..

توجهت بعدد من الأسئلة لمجموعة ممن أثق بشغفهم السينمائي وانتمائهم للأفلام بمختلف أنواعها، وزيارة دور السينما بالنسبة لهم ليست مقتصرة على وقت بعينه، أو حالة ما، أو هي رحلة ترفيهية لقضاء وقت للتسلية فقط، بل هناك شغف وانتماء لمختلف أشكال العروض السينمائية التي تطل على الجمهور، وتتنافس أيها يكون الأكثر جذبا.

كان السؤال الأول: "مالذي يفتح شهيتك لمتابعة فيلم ما؟"

فقال منتصر البلوشي: "تنوع دور السينما، ووجود أفلام جديدة في شباك التذاكر، الهدف من ذلك هو الابتعاد والعزلة في قاعة مظلمة ومغلقة، أكتفي بها بالانغماس في مضامين الفيلم".

أما هيثم سليمان فقال: "مايثير شهيتي هو الانقطاع الطويل عن مشاهدة الافلام لفترة تتجاوز الاسبوع... كما أن نوع الفيلم يلعب دورا في الاقبال على مشاهدة الأفلام، تستهويني الافلام التي تحتوي قصصا انسانية وبها نسبة حبكات معقدة وغموض، وتشويق، وفي بعض الأحيان تكون تجمعات الأصدقاء والعائلة حافزا لحضور الأفلام بالمنزل أو في صالة السينما".

وقال سليمان الخليلي حول ذلك: "تجذبني الأفلام كونها عالم ساحر يسحرك بالحكايات والقصص، وكونها واحدة من أهم منجزات الإنسان في القرن العشرين حيث تجمع جميع الفنون في فن واحد، وبرزت كجانب ترفيهي، تنقلك من واقعك الى عالمها، عالم القصص والحكايات التي تشاهدها بعينك وتسمع تفاصيلها وتشعر باحساسيها، وتستطع من خلالها معرفة واقع أي مجتمع".

تكرار مشاهدة الفيلم..

وبحثا عن حقيقة ما تعنيه الأفلام للشغوفين بها، كان سؤالي لهم: "هل تموت متعتك إذا كررت مشاهدة فيلم ما؟"

فقالت منتصر البلوشي: "لا تموت.. ولكن ربما تقل قليلا خصوصا اذا كان الفيلم من الخيال ومجرّد من الواقعية"، فيما يقول هيثم سليمان: "عادة يندر أن اقوم بتكرار مشاهدة أي فيلم حتى وان كان لمخرج معروف أحبه او نوعية أفلام تستهويني.. برأيي الشخصي تكرار مشاهدة الفيلم ينزع من المشاهد المشاعر والأفكار العذراء الأولى في التلقي، وتصبح المسألة بحث عن إعجاب أو انتقاد في المشاهدة الثانية... الفيلم الوحيد الذي قمت بمشاهدته مرتين كان الفيلم ما قبل الأخير للمخرج كريستوفر نولان "فيلم عقيدة/ " Tenet

وذلك لصعوبة الحبكة وشدة الغموض فيها". ويوافقه الرأي أيضا سليمان الخليلي الذي قال حول ذلك: "شخصيا، لست من محبي تكرار مشاهدة الأفلام، وأفضل استغلال الوقت لمشاهدة فيلم آخر، ولكن ثمة استثناءات لأفلام اعجبتني وارغب بمشاهدتها مرة ثانية لاستكشافها مرة اخرى".

الاستمتاع بالطرح..

قد نتحدث عن كمية المتعة التي تتركها كثير من الأفلام الجادة والعميقة وذات الحبكة الغامضة، الأفلام الأعمف والأشد رصانة وجدية، لكن يبقى هناك فئة من المخرجين الذين تطرفوا في تقديسهم لمبدأ "المتعة" بمعناها المطلق فتخصصوا في صناعة الأفلام التي لا تُلزم المشاهد بأي شيء ولا تطالبه بالتفكير ولا التأمل. فجاءت أفلامهم ممتعة خالية من التعقيد ومن الرسائل الفكرية والأخلاقية المباشرة. لتكون أشبه بفرصة للمشاهد لقضاء وقت سعيد وممتع.

يصنف نوع هذه الأفلام بتلك التي نلجأ لها حين نملّ ونسأم مشاهدة الأفلام الجادة، وهي المساحة التي نحتاجها جميعا -نحن الشغوفون بمشاهدة الأفلام بمختلف مستوياتها وأشكالها وتوجهاتها-، وهي فترة الراحة التي يحتاجها عقلي وعقلك من أجل إعادة الشحن وتدوير النشاط، وقد تجد من يؤكد لك تفاهة هذا النوع من الأفلام ويجادلك في اهميته، مؤمنا بأن شكل الأفلام السينمائية لابد أن يكون بمعانيها الفلسفية والعميقة، والتي تطرح رؤى وأفكاراً حول الكون والإنسان والحياة. لكن حقيقة الأمر هي أن أفلام المتعة نوع مهم من أنواع السينما ودون وجودها ربما لن نستطيع حتى تقدير تلك الأفلام الجادة.

"شخصيا لا أبحث عن الأفلام الهادفة ولاتهمني كثيرا" هو ما قاله السينمائي هيثم سليمان مؤكدا على ذلك بقوله: "نعم اؤمن ان هنالك هدف ورسالة وفكرة خلف كل فيلم ولكن هذه العناصر ليست ذات أولوية بالنسبة لي، حيث ان الاستمتاع بالطرح وطريقة طرحه والفنيات الموجودة بالفيلم،.

اما ارتباط الأفلام بواقعية الحياة فهي إحدى أنماط وطرق تقديم الأفلام ونتحدث هنا عن مدرسة سينما الواقع التي تراعي وتحرص على تقديم نسخة مقاربة من واقع الحياة لما يحدث في الشق الروائي ومطابقة صريحة غالبا في الشق الوثائقي.. نعم المعان السامية المستمدة من واقع الحياة تعطي للفيلم روحا وقبولا أكثر لدى المشاهد ولكنها أداة كحال بقية الأدوات بالفيلم"...

هل نبحث عن الأفلام الهادفة؟

وقال سليمان الخليلي: "لا يوجد مصطلح يسمى (أفلام هادفة) لان السينما ليست توعوية، بل هي حكاية مصورة تحكي عن أحداث وتفاصيل سواء تحذبه المشاهد إليها أم لا، كون الأفلام تختلف فئاتها لكنها تناقش واقع حتى لو كانت أفلام خيال علمي أو رعب أو أكشن، في مضمونها هي تطرح قضية واقعية حتى لو كان شكلها بقالب خيالي لا يمت للواقع، وبشكل عام دوما الأفلام التي تناقش الواقع، هي أفلام قوية لها تأثير قوي لدى الناس حيث تقدم الحياة الإنسانية برؤية تحمل الكثير من الرسائل والقيم التي يرغب فيها الإنسان".

تأثير نفسي يلامس شعور البشر..

لم تكن الدراسات قد ركزت على بحث أن التأثير الذي تتركه الأفلام ذات المغزى هو تأثير ظاهري فقط، بل تعمقت لأبعد من ذلك، فقد اكتشف الباحثون أن مشاهدة الأفلام ذات المغزى يمكن أن تجعلنا نشعر بمزيد من الاستعداد للتعامل مع تحديات الحياة. وأوضحوا أن هذه النتائج يمكن أن تفسر لماذا يلجأ البعض إلى مشاهدة الأفلام التي تحرك مشاعر الحزن أو السعادة على حد سواء، والأفلام الهادفة والمؤثرة تركت لدى المشاركين في الدراسة شعوراً أيضاً بأن "المكاسب والخسائر جزء من الحياة"، وزادت حماسهم للقيام بأشياء جيدة لمساعدة الآخرين والبحث عن الأشياء المهمة حقاً في الحياة.

يقول منتصر البلوشي: "الأفلام الدرامية التي تأتي بطابع واقعي ويلامس الحياة وجدانيا وفكرا أجد أن لها تأثير كبير في إثراء جانب الفكري والحسي"، وأضاف: "الأفلام الحقيقة لها بعد آخر وحرفيات مختلفة ومثيرة قد تكون معقده بعض الاحيان في أسلوب الطرح وقد تجدها غريبة بعض الاحيان، ولا يهواها الكل وإنما فئة محددة من الناس وغالبا ما يكونو المشتغلين في صناعة الأفلام والنقاد وبعض المهتمين والمتابعين".

وتحدث هيثم سليمان حول ذلك فقال: "الأفلام هي خلاص ومنفذ بصري وشعوري من واقع الحياة، غرفة يجتمع فيها غرباء بمحض ارادتهم مسجونين فيها لفترة من الزمن يضحكون ويحزنون ويغضبون معا دون أن يعرف أحدهم الأخر.. لطالما قلت أن صالة السينما هي أغرب وأجمل اختراع مجتمعي قام به الإنسان المتحضر. وعندما ننظر الى السينما بهذا المنظور سندرك أنها أكثر وأكبر بكثير من وسيلة ترفيه، السينما هي ان تعيش تجربة وتتفاعل معها وتسهم في تغييرك كإنسان قناعةً أو فكراً أو سلوكاً، واختم قولي هنا بعبارتي المفضلة، السينما هي فن الخلاص من الواقع".

فيما قال سليمان الخليلي: "الأفلام ليست مجرد ترفيه، بل هي ثقافة وصناعة، وأحد القوى الناعمة التي تعتمد عليها الدول في ابراز ثقافتها والترويج لها، من يظن أن الأفلام هي للترفيه فقط فهو مخطئ، فمن خلال الأفلام تستطيع أن تناقش قضايا كبيرة لا تستطيع أي اداة مناقشتها، كما تتميز الأفلام بانها خالدة قادرة على مؤرخ حقيقي التاريخ".

المتعة هي هدف سينمائي "أحيانا"..

النفس الإنسانية تحتاج أيضاً إلى راحة وتخفُفٍ من ضغط الأفكار والمشاعر الجادة فتلجأ لتحقيق ذلك إلى تبني مبدأ "المتعة"، فتبحث بالتالي عن كل ما هو خفيف وربما عن كل ما هو سطحي!. لذا فلن يبدو غريباً على عاشق السينما أن يكره الأفلام الجادة أحيانا! فيعزف عنها لفترة معينة باحثاً عن الأفلام الخفيفة المرحة التي صنعت من أجل المتعة ولا غير. إنه إنسان ملول وهو يحتاج إلى الأفلام الخفيفة كحاجته إلى الأفلام الجادة سواء بسواء.

يمكننا أن نستعرض هنا عددا من أفلام المتعة التي صنعت لتلاقي نجاحها وإقبالا جماهيريا كبيرا أبرزها ماقدمه المخرج "روبرت زيميكس" الذي صنع سلسلة سينمائية شهيرة هي سلسلة (العودة للمستقبل- Back to the Future)

التي يمكن اعتبارها الشكل النهائي لما ينبغي أن تكون عليه أفلام المتعة. فمن خلال هذه السلسلة بأجزائها الثلاثة التي ظهرت تباعاً في الأعوام 1985-1989-1990 يمكننا تبين عناصر الفيلم الممتع. فهنا سنرى حكاية خفيفة مسلية تنقلت بنا بين أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل دون أن تترك فينا سوى الشعور بالمرح والبهجة والانطلاق. وهي تخلو من التوجيه، مبتعدة عن عامل "الغاية"، و"النفع"، لتجعل من (المتعة) هدفاً نهائياً. وهناك عنصر إضافي هام تحتويه هذه السلسلة وهو الإيقاع المتسارع لأحداثها بالنقلات السريعة، والقطع المتتالي للقطات الذي لا يترك للملل فرصة لأن يتسرب إلى نفس المشاهد.

كان سؤالي الأخير هنا "ماذا إن تابعت فيلما بحثا عن المتعة فقط؟"

فقال منتصر البلوشي: "في هذي الحالة لا اهتم بمضمون الفيلم او توجهه والمعقدات التي يعكسها هذا او ذلك الفيلم، إنما هدفي وقتها المتعة ولا غير".

وقال هيثم سليمان: "تأتي أوقات تنتابني حالة شعورية بالرغبة في الترفيه عن النفس لمجرد الترفيه وتمضية الوقت بمشاهدة عمل فني يقع ضمن مجال اشتغالي واهتماماتي ( السينما ) ولايضر ذلك البتة صانع الفيلم وأكثر الفنانين تعقيدا، حيث أن الترويح بمثل هذا النمط من الفعل يجدد طاقة الانتاج بل ويعطي افكارا في بعض الأحيان".

فيما قال سليمان الخليلي: " بعض الأحيان تبحث عن فيلم للمتعة هروب من واقع أو ترتاح من ضغط بثقل الكاهل، فقط تريد أن تعيش في عالم يأخذك بعيدا عن ذلك الواقع، وبطبيعة الحال هذه هو هدف الأفلام التجارية التي تبحث عن المردود المادي من خلال ايجاد أفلام متعة دون تسليط على قضية مهمة".

وخلاصة الأمر أن أفلام المتعة يمكنها أن تأخذك في رحلة ممتعة ثم تتركك لحال سبيلك دون أن تلقي في ذهنك أسئلة أو مشاعر منقبضة، بينما الأفلام الجادة كل منها حسب مجاله، فأنت تأخذ جرعة من الرومنسية والشاعرية في الأفلام الرومنسية، وتمدك أفلام الحركة و"الأكشن" بالقوة والشجاعة، فيما تستطيع أفلام الرعب أن تصنع فيك قدرة المواجهة وعدم الخوف، وأفلام التاريخ بشيء من الحكمة والنضج، ودون شك أفلام الكوميديا بحيز من الفرح والضحك، كما يمكن لأفلام الخيال أن تحرك مخيلة الإنسان لكل ما لا يمت للواقع بصلة، وفي كل الأنواع تكون "المتعة" هي الهدف لمن يبحث عن هدف، وهي شعور داخلي يترجمه كل شخص كما يحب.