No Image
ثقافة

هكذا نعود.. أدب وصور ونقوش طينية

11 سبتمبر 2024
11 سبتمبر 2024

يواصل الفنانون والكتّاب الفلسطينيون الدفاع عن وجودهم وحياتهم عن طريق إعادة سرد وإحياء الحياة الثقافية والشخصية الحضرية الفلسطينية. أمامنا كتاب استثنائي مقاتل، بشكله ومضمونه ومحتوياته، ممتع بأثره، ومبهج بألوانه، لم يسبق لكاتب فلسطيني أو فنان، إصدار كتاب يضم نصوصًا ونقوشًا طينيةً وصورًا فوتوغرافيةً، هي التجرية الأولى حسب علمي في الجمع بين هذه الوسائط، بهذا الاتقان. تحديدًا في المدن الأربعة الفلسطينية: عكا وحيفا ويافا والقدس، عاشت قبل النكبة طبقة فلسطينية وسطى مثقفة ومنفتحة ومتواصلة مع العالم، ومحبة للحياة، وبرزت مؤسسات ومدارس وجمعيات وصحف، تهتم بالثقافة وتحتفل بالحياة، من هذه الأجواء والمناخات الحيوية ظهر شعراء ومثقفون وفنانون ومسرحيون أغنوا الحياة الثقافية، وساهموا في التأسيس لفكر نقدي جمالي حر وفنون حديثة، ألهمت بعدهم الأجيال. لعل سر نجاح الكتاب هو الربط الساحر والذكي والجمالي بين الوسائط الثلاث النقش والصورة والنص، النصوص خالية من السطحية والتقريرية ومكتوبة ببساطة مدروسة، وهي بلا مجازات ورموز، وتعقيدات لغوية، الكتاب لم يدع الأدبية والشعرية ليقارب بهما النقوش والصور، النصوص كانت كتابات توضيحية وربما رآها البعض تعليقات عادية، لكن السحر في المشهد السردي هو حجم المعلومات التاريخية المقدمة في النصوص، من أشخاص وأماكن، وأحداث، كل شخص يقود إلى قصة مختلفة وكل مكان يفضي إلى حكاية أخرى وهكذا.

الفنانة البصرية الفلسطينية فيرا تماري، وقّعت الأسبوع الماضي الكتاب في مكتبة بلدية رام الله، في احتفال حضره العشرات من الفنانين والمهتمين، الكتاب تتويج لمشروع فني طورته الفنانة البصرية تماري، بين عامي 1989 وعام 1996 حيث انتجت سلسلة من خمس عشرة لوحة بارزة من الطين بعنوان صور عائلية، وكانت الفنانة قد استوحت هذه اللوحات من صور عائلية لمجموعة والدها الفوتوغرافية التي جمعها والتقطها في فلسطين بين أوائل عشرينيات القرن العشرين والنكبة عام 1948، ويوثق هذا الكتاب من خلال النقوش الطينية والصور والنصوص، تفاصيل حياتية وقصصًا شخصية لعائلة فيرا تماري في يافا والقدس، لتلتقط في سردها تصورًا دقيقًا وحميمًا لحياة أفراد مجتمع الطبقة الوسطى الحضري، الفلسطيني الاجتماعية وأنشطتهم، وهم يعيشون، قبل هجرتهم القسرية وتشتتهم بشكل طبيعي وهم يمارسون الإيقاع اليومي للحياة.

الكتاب يعجّ بالصور، وأيّ صور! إنها صور البلاد والأماكن قبل اغتيالها من قبل العصابات الصهيونية الهمجية، يحوي الكتاب فصولًا بعناوين جذابة ومشوقة: تهجير قسري ونزوح أليم، والدي وأصدقاؤه وحياتهم الشبابية في يافا، نزهة في الخليل، على الشرفة، أحلام غير مكتملة، امرأة أمام الباب، من هو أرنست؟ عطلة اسثنائية، امرأتان من يافا ولعبة ورق الشدة الصينية. تقول الفنانة تماري: (مع نشر هذا الكتاب أكون قد حققت حلمًا راودني منذ زمن بعيد، والذي استلهمته من لوحات الحفر الفخاري، البارز، كنت أنجزتها منذ أكثر من خمسة وثلاثين سنة وهو أن أطرح صورًا موجزةً للحياة الفلسطينية، قبل النكبة من خلال تقنيات الفن والتصوير والكتابة كنافذة نرى من خلالها، رواية متفردة وحميمة، من حياتنا كفلسطينيين.). وتكتب محررة الكتاب سهى شومان: نجحت فيرا في التعبير عن الروح الفلسطينية، من خلال الربط بين أعمالها الفنية، من الحفر الطيني البارز، والصور العائلية والنقوش الطينية، بينما يركز الكاتب رجا شحادة على سردية هذه الحكايات وأنها جواهر قصصية ممتلئة بالتفاصيل، أما ياسمين صبّاغ مؤلفة كتاب (حياة متخيلة ممكنة) فتحدثت عن طبقات المشاعر والإيماءات والتمثلات والمشاهد والأساليب المعمارية، في الكتاب وتقول أن قصة فيرا هي قصة كل الفلسطينيين، وأنها بذلك تمنح بيتًا دائمًا لحماية حياة مهددة بالزوال.

الفنانة فيرا تماري في سطور

فيرا تماري هي فنانة تشكيلية فلسطينية، وُلدت في القدس عام 1945. تخرجت من كلية بيروت للبنات عام 1966، ثم تخصصت في فن السيراميك بمعهد ستاتال سيراميكا في فلورنسا، إيطاليا، عام 1972. حصلت على درجة الماجستير في الفلسفة في الفنون والعمارة الإسلامية من جامعة أكسفورد عام 1984. تعمل تماري حاليًا أستاذة في جامعة بيرزيت، ولديها استوديو خاص في رام الله. كتبت العديد من المقالات المتخصصة في الخزف الإسلامي والحركة الفنية في الأراضي المحتلة، وأقامت عدة معارض فردية.