فيلم " لا تقل شرّا ": دراما اجتماعية عن كيفية النجاة من قاتل متسلسل
في المشاهدة الفيلمية بصفة عامة هنالك اهتمام خاص من طرف المشاهد لتتبع القصة السينمائية وما تنطوي عليه من قدرة على الاقناع وتحفيز المشاهد للتفاعل معها ومع شخصية البطل او الشخصيات الرئيسية.
ولهذا صارت الأفلام التي تنطوي على قدر من الغموض كافية لتحقيق هذه المعادلة لجهة اجتذاب الجمهور العريض فضلا عن النجاح التجاري الذي يمكن ان تحققه وهي معادلة كافية شجعت العديد من المخرجين للاندفاع باتجاه أفلام الغموض والجريمة الى درجة ان مخرج هذا الفيلم جيمس واتكنس أعاد تقديم الفيلم الدنماركي الذي حمل نفس اسم هذا الفيلم بعد عامين من انتاجه محافظا على القصة السينمائية والبناء الدرامي.
من هنا سوف ننطلق في قراءتنا الجمالية والنقدية لهذا الفيلم من زوايا ومقتربات متعددة تستند في حقيقتها الى الثيمة البسيطة التي تأسست عليها احداث الفيلم من خلال اللقاء العفوي بين عائلتين تمضيان كل منهما عطلتها السنوية في احدى المدن الإيطالية ولتتوثق تلك العلاقة الى درجة دعوة احداهما للاخرى لزيارتها في منزلها الريفي في بريطانيا وهو التحول الذي سوف تبنى عليه فيما بعد فكرة الغموض الذي يغلف عالم الجريمة والقتل المتسلسل الذي ينطوي عليه هذا الفيلم.
يعمد المخرج خلال ذلك الى تقديم المعلومات عن الشخصيات الرئيسية بشكل متتابع وبطيء ومن ذلك التعرف بشخصية بادي – الممثل جيمس مكافوي وزوجته كايرا - الممثلة ايسلنغ فرانسوازي، فهذان الشخصان غريبا الاطوار ليس لديهما حدود يتوقفان عندها وهما يحاولان معرفة الحياة الشخصية للاخرين ولذا سوف ينجحان في النفاذ الى حياة الزوجين بين – الممثل سكوت مكنيري وزوجته لويز – الممثلة مكنزي ديفيز، بمنهما لا يترددان في كشف حقيقة انهما عاطلان وليس كما ادعى بادي انه طبيب وانما هو رجل بلا عمل وتدريجيا يبدأ بفرض ارائه والتدخل التفصيلي في حياة العائلة الضيفة.
هذا الأساس الذي ارتكزت عليه الدراما الفيلمية هو الذي جعل هذا الفيلم مختلفا عن زميله الفيلم الدنماركي في طريقة الكشف التدريجي عن الاحداث وعن النوايا الشريرة التي تنطوي عليها شخصية بادي وزوجته في انهما يعمدان في جميع الحالات الى عرض افكارهما بصوت عال في نوع من التحدي الذي ما يلبث ان يتطور سريعا الى وقوع العائلة الضيفة في الفخ.
وفي هذا الصدد يتحدث الناقد ويل اشتون في موقع درافتس عن الفيلم من زاوية الجريمة والقاتل المتسلسل قائلا "انه فيلم لا يخلو من استعارة المزيد من الفيلم الأميركي الشهير كلاب من قش مع ان الأحداث تخرج في هذا الفيلم عن نطاق السيطرة وتتحول الى نوع من المطاردات المتصاعدة نحو الاستدراج من طرف قتلة متسلسلين لكن في النهاية سوف نجد ان العدالة سوف تتحقق، وتُستَخدَم خلال ذلك أسلحة "تشيخوفية" متنوعة في نطاق الصراع ضد الأشرار، ويستطيع المشاهدون أن يروا أن تلك الشخصيات الصالحة أخلاقياً قد صمدت في وجه الملاحقة وخرجت سالمة من المحنة".
من جانب اخر وجدنا ان قوة الفيلم تكمن في خلاصته الأخيرة التي تمثلت في الملاحقة وقطع الانفاس بين العائليتين وخاصة النزعة الشريرة لدى بادي والتي سوف تظهر جلية من خلال البومات الصور التي تعود لعائلات كانت قد مرت من هناك ووقع لها نفس ما مخطط ان يقع لعائلة بين وصولا الى البشاعة اللامتناهية في قطع لسان الطفل الصغير الذي شهد مصرع عائلته وكان مخططا ان يتم استبداله بالفتاة الصغيرة ابنة بين لتكتمل حلقة الاستدراج والصراع القاتل بين طرفي المعادلة الفيلمية.
وهو ما يشير اليه الناقد كيث كارلينغتون في موقع كيث موفي قائلا " ان من بين الأشياء التي تثير الاعجاب في هذا الفيلم هو الصبر الذي أظهره المخرج واتكينز في طريقة سرده للاحداث فبدلاً من التسرع في تتابع الأفعال، فإن المخرج يسمح للتوتر بالتراكم البطيء والتدريجي وصولا الى درجة الغليان والى درجة ان ذلك التتابع السلس هو في جوهره نوع من استدراج للمشاهد ليكون طرفا في تلك الدراما المتصاعدة".
من جهة أخرى لا يمكننا الا ان نتوقف عند الأداء المتميز للمثل جيمس ماكافوي، سواء من حيث طريقته في التلاعب بمشاعر الاخرين أو من الناحية الجسدية حيث يتباهى بكتفيه الضخمين وطريقة حركته للايحاء بالقوة والهيمنة في مقابل تعاطفنا التام مع شخصية بين مع كثير من الصمت والسلبية والحيرة التي كانت تسيطر عليه وتشل ردود افعاله.
وفي سياق السرد الفيلمي أيضا يلفت النظر طريقة بث الحبكات الثانوية في ثنايا تلك الدراما المتصاعدة ومنها مثلا اجبار الوالدين الهاربين من جريمة قادمة متوقعة الى العودة الى الجحيم من جديد بسبب إصرار الطفلة على استرجاع دميتها بينما كانت العائلة قد هربت وقطعت مسافة على طريق النجاة.
من جهة أخرى هنالك المعلومة الصادمة التي قدمها الطفل الاخرس من خلال تلك الورقة المطوية ثم اصطحابه الفتاة لمشاهدة صور الضحايا ومتعلقاتهم التي تم نشرها في داخل ما يشبه المتحف في قبو البيت وبذلك صارت الفتاة تمتلك السبب لإنذار عائلتها لغرض الفرار قبل الوقوع في الفخ لكنها سوف تقع في مواجهة دموية شرسة تثبت فيها الزوجة لويز بأنها اكثر مضاءا ورد فعل وجرأة من زوجها في خضم تلك الازمة المتصاعدة.
ويشكل الحوار بين الشخصيات احدى الأدوات المكملة التي اريد من خلالها الكشف عن طباع الشخصيات وردود افعالها ولهذا كان الحوار المرتبط بشخصية بادي مما لم تعتاد عليه تلك العائلة البسيطة المحافظة وهي تشاهد افعالا ممجوجة تصحب استخدام الفاظ صادمة بالنسبة لبين وزوجته وصولا الى اكتشاف لويز ان ابنتها الصغيرة قد تم اصطحابها للنوم في مكان اخر ربما تمهيدا لاختطافها والاحتفاظ بها أداة للابتزاز.
هذه التحولات في الدراما الفيلمية وظفها المخرج لتأسيس بناء سردي ذا خطوط متعددة خاصة بعد منتصف الزمن الفيلمي حيث انتقلنا الى بدء انكشاف المواجهة الحقيقية المنتظرة مع عائلة من القتلة المتسلسلين وواقعيا كانت الزوجة كائن مشلول نفسيا وردود افعالها ليست الا تبعية مطلقة لما كان يريد بادي ان يصل اليه وهو ابتزاز الضحايا والاستحواذ على أموالهم.
في المحصلة سوف نكون امام نزعة الانتقام والمواجهة بين القوتين والتي اريد من خلالها بالطبع ان ينتصر الخير على الشر بأن تتمكن عائلة بين من النجاة بنفسها وإنقاذ الفتى المختطف وهي حصيلة ربما كانت معتادة في كثير من الأفلام من هذا النوع الا ان الميزة التي نتوقف عندها ان السياق الفيلمي برمته كان مقنعا بما فيه الكفاية لكي نصل الى هذه المحصلة النهائية.
...
سيناريو واخراج/ جيمس واتكنس
تمثيل/ جيمس مكافوي – بادي ، ايسلنغ فرانسوازي – كايرا ، سكوت مكنيري – بين، مكنزي ديفز – لويز
التقييمات / روتين توماتو 83%، أي ام دي بي 7 من 10