فيلم «لا تتحركي» .. امرأة يلاحقها الماضي ويتعقبها قاتل متسلسل
مشاعر إنسانية مضطربة وحُسن النية أداتان للإيقاع بالضحية في مساحة وجودية ضيقة يجد الكائن البشري نفسه في بعض الأحيان مطالبًا بأن يشق طريقا يساعده على الخلاص من تلك المساحة والانفتاح على ما هو أبعد من حدود الأزمة.
هذه الظاهرة التي تجد فيها الشخصية نفسها فاقدة للأدوات التي تساعدها على المناورة والخروج من الأزمة كانت علامة فارقة في العديد من الأفلام السينمائية التي تقدم الشخصية وهي غارقة في أشد أزماتها صعوبة وعليها أن تستخدم أقصى ما لديها من ذكاء لكي تخرج من تلك الدائرة الضيقة.
ينطبق ذلك على هذا الفيلم للمخرجين آدم شندلر ورايان نيتو الذي يعرض حاليا في الصالات وينال حظا طيبا من الاهتمام في أوسط النقاد وفي منصات الأفلام الحديثة، وحيث إن الفيلم يقدم قراءة مختلفة للزمن وإحساسا متفردا به وخاصة ما يرتبط بالشخصيات وهي في نطاق مواجهة قدرية مريرة ومصير حتمي بما يوصلنا كمشاهدين إلى تتبع الشخصية وهي تواجه قدرها في قضية حياة أو موت.
في البدء سوف نكون مع إيريس - الممثلة كيلسي إيسبيل، المرأة المفجوعة بفقد طفلها في حادث سقوط مروع أثناء قضاء العائلة إجازة فيسقط الطفل من حافة جبلية إلى القاع ولهذا تحظر تلك الأم المكلومة بين حين وآخر تكريمًا واستذكارًا لطفلها لكنها في هذه المرة تكون قد وصلت إلى أقصى ما يمكنها تحمله من حزن لفقد ذلك الصغير وبما يُوجد لديها ميولا انتحارية وهي واقفة على حافة ذلك الجبل.
في خلال أزمتها يظهر شخص غير معروف بالنسبة لها هو ريتشارد- الممثل فين ويتروك، وهو الذي سوف يثنيها تدريجيا عن الإقدام على الانتحار بل إنه يشرك إيريس في محنة مشابهة تتعلق بفقده زوجته في حادث كما يدعي ولهذا سوف يمضي بعض الوقت في مواساتها ودفعها للتسامي على جرح الفقدان وبذلك تبدأ الثقة الشخصية بالتكون التدريجي إلى درجة أنها تصغي إليه وتتخلى عن فكرة الحنين والحزن المفرط المفضي إلى الانتحار.
من هنا وبسبب هذا الاستدراج الماكر يكون ريتشارد قد أوقع ضحيته في الشباك إذ ما تلبث أن تجد نفسها مكتفة اليدين والرجلين وشبه فاقدة الوعي وهي في داخل سيارة تمضي بها إلى المجهول، وبالطبع إلى حدود هذه المشاهد سوف نكون مع فيلم جريمة واختطاف شاهدنا مثله من خلال أفلام أخرى ولهذا لا بد لنا أن نتساءل عن الغاية من تقديم فيلم يسير على نمطية أفلام الجريمة والقاتل المتسلسل إن لم يكن فيه اختلاف نما.
في الواقع يتمكن المخرجان منذ مشاهد الاختطاف في نقلنا شعوريًا ووجدانيًا إلى تفاعل وتشويق متواصل يرتبط بجدارة تلك المرأة وسعيها بكل الطرق للفكاك من أسر خاطفها فهي لا تتورع عن قتاله ومواجهته بشراسة والهرب منه وسط الغابات والأحراش وصولًا إلى سقوطها في مجرى مائي جارف يذهب بها بعيدًا إلى مجهول آخر.
ولعل ما زاد من القوة التعبيرية والبناء الدرامي تماسكا هو كون القاتل المتسلسل وبعد أن صعقها بصاعق كهربائي ذي تأثير على الأعصاب ويتسبب في تعطيل حركة الأطراف والعجز عن الإحساس بها وصولًا إلى تعطل سائر أعضاء الجسم وهو ما تقاومه إيريس بشراسة في سلسلة محاولات تبوء بالفشل تباعًا ويرتكب خلالها ذلك الخاطف جرائم بحق من يمد يد المساعدة لها لإنقاذها سواء رجل الشرطة أو ذلك القروي الذي حملها إلى منزله وكاد أن يسيطر على الخاطف إلا أنه فقد زمام الأمور وراح ضحية المواجهة معه.
وفي هذا الصدد يذهب الناقد بين ترافيس في موقع إمباير الشهير في قراءته النقدية للفيلم إلى القول «إن هنالك ميزة تحسب لصالح المخرجين آدم شندلر وبريان نيتو وهي قدرتهما على المحافظة على تصاعد وتيرة الأحداث، فهما كانا حريصين على تطوير فكرة المطاردة والسعي للخلاص بطرق جديدة، ولهذا تجدهما يغيران رهانات المطاردة للحفاظ على مستوى عالٍ من جذب المشاهد وتفاعله على مدار 90 دقيقة من التوتر الشديد.
فعلى امتداد رحلة المواجهة تقاتل إيريس من أجل البقاء فتارة يلاحقها النمل ثم المنحدرات الهائجة، وغير ذلك وكل ذلك أثناء محاولتها إرسال إشارة إلى غرباء طلبًا للمساعدة بينما لا تستطيع تحريك أي شيء سوى أن ترمش بعينيها».
بالطبع كانت هذه النقاط التي أشار إليها الناقد علامات فارقة ملفتة للنظر لجهة العجز عن النطق واستخدام لغة العيون وحركة الشفاه لطلب الإنقاذ والنجدة في مشاهد شديدة التوتر كرّست ذلك الصراع الممتد على طول الزمن الفيلمي بين شخصيتين كل منهما يستخدم أقصى قدراته وذكائه من أجل الوصول إلى هدفه.
ولعل هذه ميزة جوهرية مهمة ترتبط بأسلوب السرد الفيلمي وهو ما ميّز هذه الدراما الفيلمية التي استخدم فيها كاتبا السيناريو والمخرجان تلك الدائرة المغلقة بين شخصيتين للمضي بتلك الدراما إلى نهاياتها الحتمية التي تجعلك في كل مرة تحسب أننا قد وصلنا إلى نقطة النهاية لنكتشف أننا ماضون في حلقة أخرى من الصراع.
وهنا يعلق الناقد سيرجيو فيريرا في موقع ثوت كاتالوج عن الفيلم قائلا: «لا شك أننا بصدد شخصية غير نمطية في هذا الفيلم والأمر يتعلق بريتشارد، الذي سوف يُظهِر طرقًا ذكية للكذب والخداع وإقناع الآخرين من خلال رش القليل من الحقيقة في كمٍ كبيرٍ من الأكاذيب والمخادعة والتسلل عبر التعاطف والاستعطاف الشخصي، ومن هنا يعرف هذا الرجل كيف يحصل على ما يريد، ويلاحظ التفاصيل الصغيرة ويستخدمها لصالحه بما يجعل الفيلم محافظا على نقاط قوته وقادرا على اجتذاب اهتمام المشاهدين».
من جانب آخر هنالك إشكالية تثير تساؤلات لا بد منها في هذا النوع الفيلمي، وهي التي ترتبط بأهمية أن ينتصر الخير على الشر إذ بدا واضحًا أننا يجب أن نهتم بتتبع كيف سوف تنتصر إيريس مع أنها كانت على حافة الموت في كل مرة لنجدها تخرق من ذلك الطوق القاتل بأعجوبة لنبدأ فصلا جديدا من الصراع بين الطرفين.
هذه المعطيات تمنحنا تصورا كافيا عن مواصفات فيلم ذي طابع تجاري تم تصوير أغلب مشاهده في أماكن خارجية يعزف على وتر الجريمة والخطف والقاتل المتسلسل، وهي عناصر تكاملت في إطار شخصيتين دراميتين قويتين ظلتا تتصارعان إلى النهاية في عمليات كرٍ وفرٍ إلى الذروة لمنح مزيد من التنوع والتأثير وذلك من خلال رحلة الزورق في وسط البحيرة الشاسعة التي تتحقق فيها المعادلة التي انتظرها المشاهد وهي خلاص تلك المرأة من خاطفها.
_____________
إخراج / آدم شندلر، برايان نيتو
سيناريو/ تي جي سيمفيل، ديفيد وايت
تمثيل/ كيلسي ايسبيل - إيريس، فين ويتروك - ريتشارد
مدير التصوير/ جاك كوبرشتاين
موسيقى/ مارك كورفين