No Image
ثقافة

فيلم "الحرب الأهلية" أمريكا المستقبلية تتفكك وحكومتها تشن حملات على الولايات

02 يونيو 2024
فريق صحفي يكشف خفايا مشعلي الحرائق السياسية والاجتماعية
02 يونيو 2024

لا شك أن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كيفما نتصفحه نجده غارقا في العنف والصراعات الدموية التي حصدت مئات الألوف من الضحايا من مختلف الأعراق حتى صارت فصول ذلك التاريخ كابوسا مروعا تتذكره الأجيال بمزيد من الهلع، مما يمكن أن تؤول إليه أمريكا المترابطة فيدراليا، فيما إذا تفكك الاتحاد وتفجرت الصراعات بين الولايات.

ولعل هذه ليست فرضية ولا من الخيال العلمي، فمن جهة هنالك ولايات ما انفكت تعلن عن رغبتها علنا في زمننا الحاضر في الانفصال كولاية تكساس وكاليفورنيا وكارولينا الجنوبية وفيرمونت والاسكا، وما بين النوايا الانفصالية وبين الصراع والحرب الأهلية هنالك واقع يفرض نفسها قوامه العنف الكامن وراء النوايا.

هذه المعطيات لطالما عالجتها السينما وخاصة على خلفية الحرب الأهلية الأمريكية التي اندلعت بين شمال الولايات المتحدة وجنوبها في عام 1861 واستمرت لحوالي خمس سنوات وخلفت وراءها حوالي مليون ضحية بين قتيل وجريح في أقل التقديرات، وقد جسدتها السينما من خلال العديد من الأفلام نذكر منها، الولايات المقسّمة 2022، المجد وصناعة التاريخ 2000، كولت 2005، الجبل البارد 2003، اندرسون فيل 1997، الأزرق والرمادي 1982، لينكولن 2008، الخروج من الإنسانية 2011، الحرب الأهلية 1990، خيول الجنود 1959 وغيرها.

ويأتي هذا الفيلم للمخرج الإنجليزي البارع اليكس غارلاند وهو كاتب سيناريو ومنتج أيضا وسبق أن عرف بأفلامه المتميزة مثل: اكس ماشينا والرجال والإبادة، وها هو يقدم لنا هذا الفيلم مجسدا لصورة الحلم الأمريكي وهو ينهار وولايات أمريكا وهي تتصارع فيما بينها والسلاح مشاع والقتل يصل إلى مستوى الإبادة الجماعية وحكومة الولايات المتحدة تستسلم وتتم مطاردتها وقتل حتى رئيسها في مكتبه حتى تنتهي أمريكا إلى حالة من الفوضى على خلفية انهار من الدم.

يجسد المخرج هذا الفيلم الذي بدا عرضه في الصالات البريطانية والأمريكية قبل شهر من الآن والذي رافقه اهتمام نقدي وإعلامي واسع، يجسد وقائع الانهيار الأمريكي من وجهة نظر فريق صحفي يرافق كل شيء من بداياته ممثلا في المصورة الصحفية لي -الممثلة كريستين دونست، ومعها زميلها المنتج الإعلامي والمحرر جو- يقوم بالدور الممثل انغر مورا، وها هما يجتمعان بصديقهما الصحفي المخضرم سامي- يقوم بالدور ستيفن ماكنلي وقد اكتهل وتقاعد، إلا انه مع ذلك يصر على مصاحبتهما في رحلتهما من نيويورك إلى العاصمة واشنطن ليكونوا شهودا على زحف التمرد الذي يريد إسقاط الدولة الأمريكية وخلال الرحلة تنظم إليهم الصحفية الشابة جيسي - تقوم بالدور الممثلة كيل سبايني.

سوف ننتقل من خلال هذا التحول إلى نوعين من المعالجة الدرامية، الأول هو سينما الطريق وما سوف يواجهه الفريق في رحلته بين الولايات وما سوف يعكسه من صور شنيعة للحرب الأهلية الطاحنة، والنوع الثاني من المعالجة هو ما حاول بعض النقاد إسباغه على الفيلم على أساس أن أحداثه افتراضية ونوع من الخيال العلمي، لكن رأيا كهذا لا يجد له قبولا من منطلق أن العنف كامن في الذات الأمريكية وجزء أساس من تاريخها.

أما إذا انتقلنا إلى مكابدات تلك الرحلة، فها نحن على سبيل المثال نجد الفريق الذي يلبس الخوذة والقميص أو الجاكيت الواقي الذي كتبت عليه كلمة الصحافة ومع ذلك فلن يهتم متمردون كثر بحصانة الصحفيين وها هو الفريق يشهد قيام مسلحين بحفر مقبرة جماعية لعشرات الأشخاص الذين تمت تصفيتهم وهم يتكدسون بعضهم فوق بعض ومن ثم ليطلق المسلحون النار على صحفيين من هونج كونج ويردونهما قتيلين على مرأى كل من لي وجو وجيسي وكاد الدور أن يأتي عليهما لولا إنقاذهما بواسطة صديقهما سامي.

على وفق هذه الوقائع تجري أحداث الفيلم، فيما تقوم لي بدور شديد الانضباط والتماسك بل يمكنك أن تقول إنها المرأة الحديدية الجديرة بكونها خائضة الحروب والصراعات بكاميرتها وها هي رغم حدّة شخصيتها ترعى جيسي، الفتاة الشابة الطموحة وهو ما تم التأسيس عليه في البناء السردي باتجاهات غزيرة في تنوعها.

وفي هذا الصدد يتحدث الناقد مات زولر في موقع روجر ايبيرت قائلا:" إن هذا الفيلم إنما يستمد الكثير من قوته من الصور التي تفوح منها رائحة الإبادة الجماعية والإعدام خارج نطاق القانون، تلك هي صورة أخرى لأمريكا، صورة صادمة واستثنائية من خلال قصة عن الصحفيين الذين تنهار البلاد أمام أعينهم ولكنهم يواصلون ملاحقة القصة الصحفية المنشودة ومصممون على الإمساك بها حتى لو كانت سببا في مقتلهم".

واقعيا إن الفيلم يلامس ما يمكن أن نسميه بأنه "صدمة المستقبل" ممثلا في صعود الفاشية الأمريكية على انقاض الدولة من خلال معالجة فيلمية ذكية ابتعد خلالها المخرج جارلاند، عن ملامسة التفاصيل بل إنه يخفي السرد المباشر تحت سرد فرعي، سعى من خلاله إلى خلق تجربة مقنعة من خلال شهادة صحفيين وليس سياسيين وكانت شهادة ذات مصداقية.

أما الناقد اليكس بيلنغتون في موقع فيرست شونغ فيقول، "أعتقد أن الحرب الأهلية هو فيلم إشكالي وهذا ليس بالأمر الجيد. بصرف النظر عن السرد غير السياسي المتمثل في أننا سنتتبع مصوري الحرب الذين يفترض أنهم موضوعيون، لا يوجد حقًا ما يقوله من جديد أو مثير للاهتمام أو فريد عن الحرب. إنه مجرد فيلم حرب لطيف آخر، يكرر كل مجازات أفلام الحروب الأهلية ولكن تدور الأحداث في أمريكا هذه المرة".

بالطبع أن رأي كهذا لا ينال من الحل الإخراجي ولا يشخص مشكلات في الإخراج والسرد الفيلمي لكنه لا يريد أن يتقبل إسقاط فيلم من هذا النوع على أمريكا التي هي وحدها من ترى أية بقعة في العالم وهي تتفكك أو تضربها جائحة الحرب الأهلية إلا أمريكا نفسها.

أما الناقدة مانولا دارغيس في نيويورك تايمز فتقول: إن فيلم "الحرب الأهلية" قدم نوعا من الوحشية الشديدة، على الرغم من أن العديد من أفلام الإثارة المعاصرة هي أكثر وحشية من هذا الفيلم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العنف هو إحدى الطرق التي يمكن للمخرجين عديمي الخيال أن يضعوا لمستهم، ولهذا كان من حلول هذا المخرج أن قدم عنفا شرسا طويلًا بما يكفي لتفريغ مدن وتشرد مجتمعات رغم انه ليس من الواضح لماذا بدأت الحرب أصلا أو من أطلق الطلقة الأولى".

وبالطبع فإن فيلما روائيا ليس مطالبا أن يسرد قائمة توقعات عن احتمالات تفكك أمريكا ومن السبب وكيف من الممكن أن تندلع الحرب الأهلية وهي من الإزاحات النقدية المثيرة للنقاش بترك أحداث وبنية الفيلم وجمالياته الإخراجية والبحث عن إجابات لأسئلة كهذه.

.....

إخراج/ اليكس غارلاند

تمثيل/ كريستين دونست، كيل سبايني، وانغر مورا، ستيفن ماكنلي

التقييمات/ آي أم دي بي 8 من 10، روتين توماتو 81 من 100، ميتاكريتيك 75 من 100