No Image
ثقافة

دراسة عن البناء الفنيّ في روايات رمضان الرواشدة

03 يونيو 2024
03 يونيو 2024

تدرس الباحثة أريج الطوالبة في كتابها الصادر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، البناء الفنيّ في روايات الكاتب الأردني رمضان الرواشدة.

يكشف الكتاب الذي جاء في مقدمة وتمهيد وأربعة فصول، عن ماهية البناء الفنيّ الذي اتّبعه الرواشدة في نسج أعماله الروائية، سواء من خلال بناء الأحداث، أو الشخصيات، أو بناء اللغة التي جاءت وفق مستويات منها التناص، والتجريب، والميتاقص.

ويحلل الكتاب الكيفية التي تفاعل من خلالها الراوي في أعمال الرواشدة مع الزمان والمكان، ومستويات الخطاب الروائيّ، وتقنيات الزمان التي اتبّعها الكاتب؛ من مثل الخلاصة والحذف في تسريع السرد، والمشهد، والمونولوج، والوقفة الوصفية في إبطاء السرد، مع التركيز على مفهوم الفضاء الروائيّ، ومفهوم المكان الروائي، وأنواع الأمكنة في الروايات التي تمت دراستها، وهي "جنوبي"، و"النهر لن يفصلني عنك"، و"الحمراوي"، و"أغنية الرعاة"، و"المهطوان".

وترى الباحثة أنَّ الأعمال الروائية للرّواشدة تمتاز بوجود بناء فني خاص، إذ راوح الرّواشدة في تقديم الحدث في أعماله الروائيّة وربطه مع عناصر الرواية الأخرى، والتي ضمّنها عدداً من أنساق بناء الحدث الروائي ومنها: نسق التتابع في رواية "جنوبي"، ونسق التداخل في "النهر لن يفصلني عنكِ"، ونسق التضمين في "الحمراويّ"، والنسق الحلقيّ في روايتي "أغنية الرعاة" و"المهطوان".

وقسمت الباحثة الشخصيّات في هذه الروايات بحسب ارتباطها ومشاركتها في الأحداث إلى: شخصيّة رئيسة، وشخصيّة ثانويّة، وبحسب تطوّرها داخل العمل الروائي إلى: شخصيّة نامية، وأخرى ثابتة، موضحةً أن الرواشدة اتبع طريقتين في بناء الشخصية الرئيسة: الطريقة التقليدية في البناء، والطريقة الجديدة.

وأشارت إلى أن الرّواشدة جعل من شخصيّات رواياته شخصيّاتٍ واقعيةً حاضرةً أمام القارئ مع تقدّم النص الروائي، وذلك عبر إظهاره أبعاد الشخصيّات الداخليّة والخارجيّة والفكرية والاجتماعية. هذه العناية بحسب الباحثة، جاءت لتلبي الحاجة الفنية والمضمونية في النص وما يحمله من دلالات ظاهرة ومستترة.

ورأت الباحثة أن الرّواشدة لم يمنح شخصياته بُعداً فردياً، بحيث تكون كل منهما مميزةَ عن الأخرى، بل كانت جامدةً ونمطيةً وتكررت صفاتها وطبائعها وأحلامها وثقافتها نفسها في جميع الروايات. أما المكان، فأكدت الطوالبة أن له دور البطولة في روايات الرواشدة، وكان من أهم عناصر البناء حضوراً وتفاعلاً وتوظيفاً، موضحةً أن الروايات كشفت عن ارتباط الروائي ببيئته، وسعيه إلى التعبير عنها مكانياً واجتماعياً. ويبدو ذلك جلياً من خلال اختياره لأسماء الشخصيات، ومعالجته لقضاياها، وتركيزه على لغتها التي حملت هذا الانتماء.

وأشارت الباحثة إلى أن هذا الارتباط بدا واضحاً من خلال المساحة التي احتلها المكان في متن الروايات التي حرص فيها الروائي على تصوير البيئة بتضاريسها المكانية والاجتماعية وبحركة الشخصيات داخلها وتفاعلها معها.

ومن خلال تحليلها للزمن الروائي، رأت الباحثة أن الرواشدة عمد إلى استخدام المفارقات الزمنيّة في أعماله ليُحكم السيطرة على الخطاب الروائي برمته، وذلك من خلال توظيف تقنيات السرد المختلفة، ومن أبرزها الخلاصة، والحذف، والمشهد، والمونولوج، والوقفة الوصفية، موضحةً أن الكاتب وظّف الراوي بطريقة مدروسة، ونجح في تحقيق غايته في إيصال أفكاره إلى القارئ؛ وذلك من خلاله تقمصه لأصوات الشخصيات تارة، ومن خلال قربه وبعده عن الحدث الروائي تارة أخرى.

أما زمن الخطاب في أعمال الرّواشدة، فرأت الباحثة أنه يتداخل في أبعاده، إذ تتشابك فيه مستويات الزمن جميعها من الماضي والحاضر والمستقبل، كما تنوعت مستويات اللغة في الروايات بين اللهجة المحكية، والمستوى الصوفيّ، ومستوى اللغة الشعرية، والمستوى الإخباري.

وأكدت الطوالبة أن المتأمل في روايات الرّواشدة يكتشف أنّ ثمة صلةً قويةً بين بنائها وتقنية الاسترجاع، ويلحظ حضوراً مكثفاً للذكريات بأنواعها المتعددة، وهكذا تظل أيام الماضي بالنسبة له تحمل في ثناياها معاني الجمال وأحاسيسُ جميلةٌ، إذ كانت الذكريات هي الأمل الذي تحيا به نفْس البطل في رواياته، وجاءت استعانة الكاتب بتقنية التذكّر للهروب من الواقع الحاضر أحياناً؛ ووسيلة لإصلاح الحاضر أحياناً أخرى. أما السرد التنبؤيّ (الاستباق) فكشف للقارئ عن أحلام الراوي وتطلعاته، وكان بمثابة توطئةٍ لما سيحدث لاحقاً، من خلال الإشارات والإيحاءات التي تمنح القارئ إحساساً بأنّ ما يحدث في النص من حركةٍ وعلاقاتٍ ليس مصادفةً، وإنّما هي خطةٌ وهدفٌ يسعى إلى تحقيقه.