ثقافة

حديث ثقافي إنساني في قراءة لكتاب «كلنا مريم»

10 يوليو 2024
يوميات بطلة راحلة خلَّدها محمد المرجبي
10 يوليو 2024

كان الموعد مساء أمس لاجتماع ثقافي أدبي بحثا في تفاصيل كتاب «كلنا مريم» للإعلامي المكرم محمد المرجبي، لكن مسار الأمسية خرج من مجرد البحث في جوانب أدبية في كتاب، لاستعراض إنساني لحالة مريم التي فارقت الحياة بعد معاناة مع عدد من الأمراض، وراح والدها «محمد المرجبي» يدون يومياتها، ويوميات عائلتها، ليتشكل ذلك في كتاب «كلنا مريم».

جاءت الفعالية التي نظمها النادي الثقافي بمقره احتفاء بالراحلة «مريم» وبمنجز والدها الثقافي «كلنا مريم» بحضور عدد كبير من الجمهور والأصدقاء، وما أن ترك المجال لمؤلف الكتاب «محمد المرجبي» للحديث حتى، قال: «حاولت التعاطي مع مصابنا بابنتي الراحلة، بدءًا من الكتاب وانتهاء بهذه اللحظة، ولكني لا أريدها أن تكون لحظة تأبين، وإنما احتفاء بمريم، والسؤال لماذا نحتفي بها؟ مريم عانت ماعانت، وربما معاناتنا ليست الأقسى ولكن وجب أن توثق».

معاناة مع المرض..

بدأ المرجبي حديثه عن ابنته التي رحلت عن الدنيا وهي المصابة بمرض الأنيميا المنجلية والذي رافقها منذ الصغر، ولكن سلوانها كان الرسم الذي أحبته ولجأت من خلاله لتعرض الكثير مما يختلج في داخلها، يقول المرجبي: «مريم كانت تفرح إذا عرضت رسمة لأحد، ولكنها لم تتوقع أن يكون لها معرض في مؤسسة ثقافية مرموقة، ويحضره هذا العدد من الزوار، ولعلّ هذا الاحتفاء بها الآن يكون أشبه برسالة نحن نشعر بأنها تصل إليها».

وتحدث المرجبي عن كتابه «كلنا مريم» الذي كان سلوانا وتفريغا له في رحلة مرض ابنته التي امتدت لسنوات، ويقول إنه سعيد بردات الفعل من قبل قُرّاء الكتاب، وأضاف: «مما وصلني من رجع الصدى من قبل الأطباء خصوصا، أن الكتاب قدّم اعترافا للأطباء في مسألة أن يشعر الطبيب بالمريض وأسرته، وأن يتعاطف معهم، وهذه إحدى رسائل الكتاب».

وعن فكرة تأليف الكتاب، قال المرجبي: إنها جاءت بالصدفة، حيث بدأ ذلك بتحريضه لمريم أن تكتب عما تشعر به، لا سيما في غرف العزل بالمستشفى، وكان الأب يواصل الكتابة عنها، إلا أنه اكتشف مع الوقت أنه هو نفسه بحاجة للكتابة للتفريغ عن كل ما يمرّ به ليكون قويا لأجل أسرته، كما أن الكتابة هي السلوان واستجماع القوة، وتوثيق لما لا يود أن يغيب عن الذاكرة.

ورطة القارئ..

وقدمت الدكتورة منى حبراس ورقة عمل بعنوان: «كلنا مريم: ورطة القارئ بالحزن النبيل»، قرأت من خلالها أبعادا أدبية وثقافية وإنسانية في كتاب «كلنا مريم»، قالت في بداية ورقتها: («كلنا مريم» عنوان دائري، غير أن هذه الدائرة المفترضة - التي ترسم إحداثياتها في المخيّلة - متحركة في الوقت نفسه، وقابلة للتمدد إلى ما لا نهاية..)

وأضافت: (تبدأ الدائرة من أفراد معدودين يشكّلون عائلة، يُطلقونه اسما على مجموعتهم في الواتساب، لنعتقد بدءا أنها محصورة بهم....، ولكن الدائرة تنفرج ليجد القارئ نفسه واقعا في محيطها، ومطلعا على ما بداخلها، ومتأثرا به حد التورط النبيل. انفرجت الدائرة حتى لأستطيع النظر باطمئنان في وجوه الحاضرين أمامي في هذه القاعة، وأرسم دائرة أوسع بإصبعي وأقول: «كلنا مريم»).

وحول الكتاب قالت الدكتورة منى: «في الحياة نوع من الكتب إما أن تحبها أو لا تحبها، ثم لا تملك ما تقوله في الحالين، وأحسب أن هذا الكتاب مما أحببته ولا أملك ما أقوله عنه. إنه من الكتب التي لا تحتمل التفلسف النقدي؛ لأنه ببساطة كُتِبَ لأسباب أخرى لا علاقة لها بالمعايير النقدية، ولا يطمح أن يكون جنسًا كتابيًّا محددًا غير نية كاتبه في كتابة يومياته مع ابنته المريضة، وقد حقق ما أراد وزيادة، بلغة رائقة رغم ألمها، واصفة رغم انصرافها إلى همّها. يصف بنجلور وتايلند بعين لاقطة تجيد رسم المشاهد، كما لو كانت تقدم لقطات مرئية تعيد إلى الأذهان برامج شرق إفريقيا التي قدمها المرجبي مستعيدًا اللغة نفسها وزاوية الرؤية، ولكن بعاطفة خاصة تفرّق بين عين الإعلامي، وعين الأب المكلوم».

وتضيف: «أحسب أن الكتاب سيكون غير هذا الكتاب لو أنه كُتِبَ على سبيل الاستعادة من الذاكرة، وقد لا يجد كاتبه المبرر لكتابته بعدما آلت الأحداث إلى ما آلت إليه، ولكننا نحمد الظروف التي جعلته يشرع فيه مدفوعا بأحلام شتى، وبإحساس عالٍ بالالتزام الأخلاقي تجاه من يعانون مما عانت منه مريم؛ لنجده في النهاية كتابا يُودع مريم في خانة الخلود».

لوحات مريم في الغلاف..

حول غلاف الكتاب، تحدث الفنان يوسف البادي الذي صمم الغلاف المستوحى من أعمال «مريم» ولوحاتها الفنية فقال: «اللوحة التي يظهر فيها اللون الأصفر كانت مريم ترسم مشاعرها، والدائرة كالشمس الحارقة وهو ماتشعر به في مرضها، ورسمت مريم نفسها الشجرة الموجودة في دائرة الشمس والطيور كاستشعار الحياة».

وعن عنوان الكتاب «كلنا مريم» قال مصمم الغلاف: إن الكتاب الذي يتضح فيه تضامن العائلة جاءتني الفكرة أن عنوان الكتاب لابد أن يكون بمشاركة العائلة أيضا، فطلبت من أفراد الأسرة أن يكتبوا «كلنا مريم» بخط اليد، فاخترت من كل فرد حرفا، وأول حرف وآخر حرف كان من كتابة الأم بمعنى أن الأم تحتضن الأبناء، أما الورود في أعلى العنوان فهي من رسم مريم. وفي الجهة الخلفية من الكتاب فقد وضعت لوحة أخرى رسمتها مريم رغم أني أدخلت عليها بعض التغييرات البسيطة، إلا أنني أحببت أن تكون في الغلاف، فقد شعرت أن مريم رسمتها من مكان آخر، وكأنها في السماء وبين السحب، رغم أنها ما زالت على الأرض».