ثقافة

جلسة حوارية تسلّط الضوء على التنوع الثقافي وتعزيز الحوار الحضاري

22 يناير 2025
22 يناير 2025

شهد متنزه النسيم ضمن فعاليات ليالي مسقط جلسة حوارية بعنوان «التنوع الثقافـي وتعزيز الحوار بين الحضارات»، شاركت فـيها الدكتورة هدى بنت عبدالرحمن الزدجالية، باحثة وكاتبة فـي التاريخ العُماني، وأدار الجلسة الإعلامي راشد السعدي، حيث جاءت هذه الجلسة لتبرز التجربة العُمانية الرائدة فـي التنوع الثقافـي ودوره فـي بناء جسور الحوار الحضاري بين الأمم، وذلك بهدف تعريف الشباب العُماني بأهمية مبدأ التنوع الثقافـي وأثره فـي بناء جسور التفاهم بين الشعوب، مستعرضةً التاريخ العُماني فـي التعامل مع التنوع الثقافـي وعلاقاته الحضارية الممتدة، لا سيما مع شرق إفريقيا التي فرضتها ظروف الجغرافـيا الطبيعية، وأطرتها الظروف السياسية، والمصالح الاقتصادية، وهي علاقة ذات أبعاد حضارية وإنسانية واقتصادية واجتماعية وثقافـية منذ العصور القديمة.

كما تناولت الباحثة فـي الجلسة عددًا من المحاور تمثلت فـي الحديث عن عُمان وعلاقاتها الحضارية الممتدة منذ القدم مع حضارات وشعوب العالم وتأثيرها الفاعل كـ«قوة ناعمة» أثرت وتأثرت بها عبر تاريخها الموغل فـي القدم، ومناقشة أثر التجارة والملاحة البحرية فـي بناء جسور الحوار الثقافـي بين عُمان وشرق إفريقيا وذلك لما تميز به العمانيون فـي مجال الملاحة البحرية وذلك بمساعدة عوامل متعددة فكانت منطقة شرق إفريقيا ملاذًا للعديد من الهجرات المتعاقبة، والاستقرار والاقتصادي والسياسي والثقافـي.

وتطرقت الباحثة إلى إسهام العلاقات التاريخية بين عُمان وشرق إفريقيا فـي تعزيز التنوع الثقافـي المشترك التي بدأت منذ عصور ما قبل الميلاد فـي شكل علاقات تجارية واستمرت بعد ظهور الإسلام بشكل أكثر فعالية واستمرارية وتأثير، مشيرةً إلى أنه من الصعوبة أن نحدد زمنيًا بداية العلاقات التاريخية بين عُمان وشرق إفريقيا لكن الشواهد والدلائل الأثرية تؤكد على قدم هذه العلاقة، ولعل أبرز ما يميز الوجود العربي فـي شرق إفريقيا قيام المدن الإسلامية، بالإضافة إلى كثرة عدد المهاجرين العرب، واستقرارهم على ساحل شرق إفريقيا، وخصوصًا عرب عُمان.

وأوضحت الباحثة أبرز مظاهر التأثير العُماني فـي الثقافة الشرقية الإفريقية والعكس وهي مؤثرات كثيرة فـي مختلف النواحي منها الحضارية والدينية والسياسية والاجتماعية والعمرانية والثقافـية والفكرية، فمع تكوين الإمبراطورية العمانية الآسيو-إفريقية ذات الطابع الخاص المشترك، التي مثّلت تفردًا عجيبًا قلّ أن يتكرر فـي تاريخ الأمم لكونها أصدق دليل على التأثير والتأثر، وهذا من سمات الحضارة العُمانية والعُمانيين أينما حطوا رحالهم.

وأشارت الباحثة إلى مسألة التراث الفكري سواء كان نثريًا أو شعريًا، فالعُمانيون لهم تراث كبير جدًا فـي شرق إفريقيا باللغة العربية وأغلب وأقدم المخطوطات التي تخص دول شرق إفريقيا أقدمها كتبت بالحرف العربي ولو أنها استبدلت فـي فترة لاحقة بدايتها 1920 بالحرف اللاتيني أو بالإنجليزية بمعنى آخر، ولكن أغلب وأقدم مخطوطات شرق إفريقيا كتبت بالحرف العربي، مثل مخطوطة لامو وكلوه وغيرها، ولو بحثنا عن أقدم الدواوين والكتب النثرية سنجدها مكتوبة بالحرف العربي وهذا تراث مغفول عنه، كما أن لدينا شعراء ومن أبرزهم أبو مسلم البهلاني شاعر العلماء وعالم الشعراء وهو وأكثر من أجاد السواحلية شعرا عندما دمج السواحلية مع العربية، وهناك فـي المقابل سواحيلي كتب بالحرف العربي قصائد شعرًا ونثرًا، وعندنا هناك كتّاب عُمانيون مؤثرون أمثال الشيخ صالح الفارسي وأخوه شعبان الفارسي، وكانت له حلقة إذاعية أسبوعية تبث فـي زنجبار بالسواحلية، كما أوضحت الباحثة أن الصحف العُمانية بدأت من المهجر الإفريقي، متسائلة عن كم عدد الصحف التي صدرت هناك والتي كتبت بالعربية والسواحلية وبالإنجليزية، فلا بد أن ندرّس الجيل الحالي هذا التاريخ ولا بد أن يتعرف على هؤلاء، وذلك تأكيدًا على الأدوار التي لعبتها اللغة والثقافة فـي ترسيخ العلاقات الحضارية بين عُمان وشرق إفريقيا ودور العُمانيين فـي انتشار اللغة العربية وآدابها فـي المنطقة.

كما أشارت الباحثة إلى تلك الجهود المبذولة لتعزيز الحوار الثقافـي بين عُمان وشرقي إفريقيا فـي الوقت الراهن سواء كانت خطوات فعلية ملموسة أو من خلال عقد الاتفاقيات المشتركة ومذكرات التفاهم فـي المجال الثقافـي، ومنها ترميم قصر بيت العجائب، وافتتاح المعرض المتحفـي الدائم للوثائق والمحفوظات والمقتنيات العُمانية فـي «لامو» الكينية.

وأوصت الدكتورة هدى الزدجالية إلى العمل على موسوعة عُمان وشرق إفريقيا بإشراف فريق بحثي مختص، وتخصيص مركز متخصص لدراسة العلاقات العُمانية مع شرق إفريقيا.