No Image
ثقافة

اليوبيل الذهبي لتلفزيون سلطنة عُمان.. نـصـف قــرن مــن العـطـاء والإبـداع

17 نوفمبر 2024
شاهد على مسيرة النهضة المباركة والمتجددة
17 نوفمبر 2024

عبدالعزيز السعدون: الأفكار الرائدة للسلطان قابوس جعلت البث الملون حقيقة في عُمان

محمد المرجبي: إعلامنا منصة لتعزيز الهوية والانفتاح على العالم

سعيد المالكي: التلفزيون العُماني جسّد النهضة وواجه التحديات بكفاءة

على مدى خمسة عقود، شكّل تلفزيون سلطنة عُمان حجر الزاوية للإعلام الوطني، مستعرضًا قصة تطور فريدة تناغمت مع مسيرة النهضة المباركة التي انطلقت فـي السبعينيات، منذ اللحظة التي دشن فـيها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- أول بث ملون فـي المنطقة عام 1974م، أصبح التلفزيون العُماني شاهدًا على التحولات التاريخية، ومرآة للإنجازات الوطنية التي صاغت ملامح الدولة الحديثة، فـي يوبيله الذهبي، يُحتفى بتلفزيون سلطنة عُمان كإرث وطني غني، ساهم فـي بناء الهوية الثقافـية والمجتمعية، وتعزيز القيم الوطنية عبر الأجيال، من بداياته بتقنيات بسيطة وشاشات ملونة فـي وقت ساد فـيه الأبيض والأسود، إلى ريادته اليوم فـي مواكبة العصر الرقمي.

كان التلفزيون أكثر من مجرد وسيلة إعلامية؛ كان منصة ثقافـية، وجسرًا يربط بين القيادة والشعب، ونافذة عُمانية انفتحت على العالم، محتفـية بتراثها وأصالتها، ومواكبة لحداثة العصر. اليوم، وبعد مرور 50 عامًا على انطلاقه، يبقى التلفزيون العُماني علامة فارقة فـي المشهد الإعلامي، محققًا التوازن بين حفظ الهوية والانفتاح على العالم، ومواصلًا رسالته فـي توثيق إنجازات الوطن ومشاركة قيمه مع الأجيال الحاضرة والقادمة. وفـي هذه المناسبة، يقدّم لنا مجموعة من الإعلاميين والمؤسسين ذكرياتهم ووجهات نظرهم حول مرحلة التأسيس وما واكبوه من تحديات وإنجازات فـي مسيرة هذا الصرح الإعلامي العريق.

إعلام النهضة

بداية يقول الإعلامي عبدالعزيز بن علي السعدون: إن يوم السابع عشر من نوفمبر 1974 كان يومًا لا يُنسى فـي مسيرة الخير والعطاء، ويومًا خالدًا فـي تاريخ عُمان الحديث، ففـي هذا اليوم، شمل المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- برعايته السامية افتتاح مدينة الإعلام المتكاملة، ودشن أول محطة تلفزيونية عُمانية.

إن هذا اليوم المجيد كان بداية مرحلة الانطلاق للإعلام العُماني المرئي، بعد أربعة أعوام من بدء البث الإذاعي من بيت الفلج. وقد جاءت هذه الانطلاقة محملة بآمال كبيرة لتعريف العالم بنهضة عُمان وشعبها، وما حققته من إنجازات خلال السنوات الأربع الماضية.

وأضاف السعدون: كانت بدايتي منذ عام 1974 فـي الإذاعة من مقرها ببيت الفلج، ثم انتقلت إلى مدينة الإعلام كمذيع متدرب، وبعدها مذيع لمواجيز الأخبار والربط بين الإذاعة والتلفزيون. وفـي عام 1975، أصبحت قارئًا للأخبار فـي الإذاعة، وكان لي شرف كبير بقراءة إعلان الانتصار التاريخي يوم الحادي عشر من ديسمبر عام 1975، الذي أصبح لاحقًا يوم القوات المسلحة. بهذا الشكل، أصبح التلفزيون وسيلة اتصال مرئية تعكس الإنجازات التي تتحقق يومًا بعد يوم على أرض عُمان، إلى جانب الإذاعة والصحافة العُمانية.

وكان الإعلام موجهًا لدعم مسيرة الخير العُمانية، عبر تقديم البرامج التوعوية والتنموية التي تخدم تطلعات الوطن والمواطن.

وقد بدأ البث التلفزيوني الملون فـي سلطنة عُمان بأمر من السلطان قابوس -طيب الله ثراه- بعد أن كانت الشركة المنفذة قد باشرت التحضيرات لمعدات البث بالأبيض والأسود، إلا أن الأفكار الرائدة للسلطان قابوس اختزلت الزمن وغيّرت المسار ليبدأ البث مباشرة بالألوان، مما جعل الشعار الرسمي للتلفزيون «تلفزيون عُمان الملون»، فـي وقت كانت معظم أجهزة التلفزيون تعمل بنظام الأبيض والأسود.

ساهم التلفزيون، إلى جانب الإذاعة والصحافة، فـي تعزيز الوعي والحس الوطني، مسلطًا الضوء على أمجاد عُمان وتراثها الثقافـي والحضاري الممتد عبر التاريخ، ولعب دورًا بارزًا فـي ترسيخ الهوية الوطنية فـي وجدان الناشئة والمجتمع من خلال البرامج التنموية، والثقافـية، والوثائقية، كما شملت برامجه برامج الأسرة والطفل والتربية والتعليم، مما أسهم فـي توسيع مدارك الناشئة وترسيخ حب الوطن فـي نفوس أبناء عُمان.

وأضاف عبدالعزيز السعدون: كان العمل التلفزيوني والإذاعي يتطلب الكثير من التحضيرات والإعداد بجهود ذاتية، حيث كنا نحمل أجهزة التسجيل على أكتافنا ونجري اللقاءات مع المواطنين فـي مختلف القطاعات.

والمعروف أن العمل التلفزيوني يتطلب جوانب فنية متنوعة، مثل الديكور، والاستوديو، والتصوير، والمونتاج، حيث يعتمد بنسبة 80% على الجوانب الفنية و20% على النصوص، على عكس العمل الإذاعي الذي يعتمد بنسبة 80% على النصوص و20% على الجوانب الفنية، مما يجعله أسهل بكثير من العمل التلفزيوني. إلى جانب ذلك، كانت هناك صعوبات مختلفة تتطلب العمل لفترات طويلة، لكن حب هذا العمل كان ينسينا تلك الصعوبات والمعاناة.

مر التلفزيون العُماني بالعديد من المحطات منذ انطلاقه فـي السابع عشر من نوفمبر عام 1974، حيث واكب التحولات السياسية والاجتماعية والفنية.

ومن أبرز الصعوبات الفنية التي واجهها كان البث الفضائي، الذي تطلب إنشاء العديد من محطات الاستقبال والإرسال بسبب التضاريس الجغرافـية الصعبة لعُمان، كالجِبال والمنحدرات، ما صعّب وصول الإرسال إلى المناطق البعيدة، ومع الوقت، وصل التلفزيون إلى مرحلة الإرسال الرقمي والتعامل مع تدفق المعلومات والتقنيات الحديثة والمتسارعة.

وفـي هذه المناسبة، أتمنى أن تُعاد برامج الأسرة والطفل والتربية والتعليم إلى التلفزيون، حيث نمتلك الكفاءات المؤهلة لتقديم هذه البرامج عبر وسائل إعلامنا المختلفة، ولا يجب أن نترك هذه الصفحات البيضاء -وهي الناشئة- عرضة للفضاءات المفتوحة التي تتعارض محتوياتها فـي كثير من الأحيان مع قيمنا وتقاليدنا وديننا الحنيف.

واختتم الإعلامي عبدالعزيز بن علي السعدون حديثه بتوجيه أطيب التمنيات لتلفزيون سلطنة عُمان ولجميع العاملين فـيه، معربًا عن فخره واعتزازه بمناسبة اليوبيل الذهبي ومرور خمسين عامًا على انطلاقته، متمنيًا لهم مزيدًا من التوفـيق والنجاح فـي مسيرتهم الإعلامية.

إرث إعلامي

من جانبه يقول الإعلامي المكرم محمد المرجبي فـي مقالات وثّقت تلك المرحلة: إن التلفزيون العُماني الذي انطلق متزامنًا مع احتفالات العيد الوطني الرابع، كان ظهوره الأول منذ إطلاقه «ملونًا» فـي وقت بثت فـيه معظم التلفزيونات بالمنطقة بالأبيض والأسود - عكس طموح سلطنة عُمان لتقديم إعلام متقدم منذ

البداية، وبدأت الأسر العُمانية فـي التعرف على هذا الجهاز الجديد الذي كان يوصف بأنه «مذياع وبه شاشة»، حيث لعب دورًا محوريًّا فـي إعادة تشكيل الوعي المجتمعي، رغم الجدل الذي كان قائمًا منذ البداية، حيث رأت بعض الأسر فـيه تهديدًا للقيم الاجتماعية، بينما احتفى به آخرون كوسيلة للتثقيف والترفـيه. وأشار المرجبي إلى أن التلفزيون ساهم فـي تقريب المجتمع من قيادته، حيث عرف الشعب العُماني صورة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- عبر الشاشة، وشاهدوه يضع حجر الأساس لمشروعات التنمية ويتحدث عن رؤيته لبناء عُمان الجديدة، وكان المحتوى التلفزيوني يعكس مراحل النهضة المختلفة، ويبرز المشروعات التنموية الكبرى التي غيّرت وجه سلطنة عُمان، وتجاوز التلفزيون بث الأخبار ليصبح منصة ثقافـية وفنية، من خلال تقديم مسلسلات محلية راسخة فـي الذاكرة، وبرامج دينية وثقافـية تعكس الهوية العُمانية وتعزز قيم التراث، كما قدّم برامج متنوعة، من بينها البرنامج الريفـي الناطق باللغة الجبالية، الذي استهدف إبراز التنوع الثقافـي، فضلًا عن الأعمال الدرامية ومنها البدوية، والتي شكّلت جزءًا من ذاكرة الجيل الأول من مشاهدي التلفزيون.

وأكد المكرم محمد المرجبي أن التلفزيون العُماني شهد تطورات تقنية كبيرة خلال العقود الخمسة الماضية، رغم البدايات التي كانت بتحديات تقنية طبيعية ذلك الوقت، مثل استخدام الأريلات المعدنية اليدوية، قبل أن تتطور إلى أجهزة «الراوتر» التي سهّلت التقاط الإشارة.

وعبّر المرجبي عن اعتزازه بالدور الكبير الذي لعبه التلفزيون فـي تعزيز الهوية الوطنية، وأوضح أن التلفزيون بث الأغاني الوطنية والبرامج التي تحتفـي بالتراث العُماني، مثل الفنون الشعبية والموسيقى التقليدية، وسلّط الضوء على إنجازات الحكومة، مما ساهم فـي ترسيخ الفخر بالهوية الوطنية، كما أن التلفزيون لم يقتصر على الداخل، بل كان وسيلة للتعريف بعُمان وشعبها على المستوى الإقليمي والعالمي، ما ساعد فـي بناء شخصية عُمانية واثقة بتراثها، وفـي الوقت نفسه منفتحة على العالم، حيث كان لاستضافة فرق فنية عالمية وعرض برامج وثائقية دولية دور فـي تحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة.

وفـي ختام حديثه، أكد الإعلامي المكرم محمد المرجبي أن تلفزيون سلطنة عُمان، وبعد مرور خمسين عامًا على انطلاقه، لا يزال يلعب دورًا بارزًا فـي المشهد الإعلامي العُماني، وأشار إلى أن التلفزيون يمثل إرثًا إعلاميًا غنيًّا وشاهدًا على مسيرة سلطنة عُمان فـي بناء الإنسان والمكان، وختم قائلًا: إن التلفزيون لم يكن مجرد وسيلة إعلامية، بل كان شريكًا فعليًّا فـي النهضة العُمانية الحديثة.

مسيرة العمل التلفزيوني

قال المخرج سعيد المالكي: إن بداياته فـي التلفزيون كانت فـي عام 1978، عندما كان شابًا يانعًا لا يملك دراية كافـية بعالم التلفزيون والإعلام، لكنه وجد فرصة للالتحاق بهذا الجهاز المهم، الذي كان يُعد نقلة نوعية فـي المجتمع العُماني خلال بدايات عهد النهضة المباركة بقيادة السلطان قابوس -طيب الله ثراه.

وأعرب «المالكي» عن فخره الكبير بانتمائه لتلفزيون سلطنة عُمان واعتزازه بكونه أحد رواد العمل التلفزيوني، مشيرًا إلى أنه يتشرف منذ سنوات طويلة بإخراج المناسبات الوطنية التي تُقام تحت الرعاية السامية لسلطان البلاد المفدى.

وأضاف: إن التلفزيون فـي تلك الفترة كان يبث لساعات محدودة يوميًا، وكانت وظيفته الأولى فـي قسم «التلسينما»، الذي كان مسؤولًا عن بث المواد الفـيلمية. وأشار إلى أن التلفزيون، إلى جانب الإذاعة التي سبقته بعدة سنوات، كانا الوسيلتين الرئيسيتين لنقل أخبار الوطن إلى الداخل والخارج، وأكد أن العمل فـي تلك المرحلة كان صعبًا، نظرًا للإمكانات المحدودة المتوفرة فـي ذلك الوقت. حول تطور تقنيات البث من البث الأسود والأبيض إلى البث الملون والرقمي، قال سعيد المالكي: إن تلفزيون سلطنة عُمان كان منذ البداية يبث بالألوان، لذلك كان الشعار المعروف هو «التلفزيون العُماني الملون». وأوضح أن جميع البرامج المحلية التي جرى تصويرها وإنتاجها آنذاك كانت بأجهزة تعمل بالألوان، بينما ظهرت بعض المواد المستوردة، مثل الأفلام العربية القديمة والأجنبية وبعض الوثائقيات، بالأبيض والأسود على الشاشة، لأنها أُنتجت بهذه التقنية. وأضاف المالكي: إن تلفزيون سلطنة عُمان بدأ فنيًا وهندسيًا بأحدث التقنيات التي كانت متوفرة فـي تلك الحقبة، ما جعله يتميز عن كثير من القنوات الأخرى فـي المنطقة التي انطلقت بالتقنيات التقليدية.

وحول دور التلفزيون فـي تعزيز الثقافة العمانية، قال المالكي: إن التلفزيون لعب دورًا كبيرًا منذ البدايات فـي إبراز ونقل تفاصيل الثقافة العُمانية إلى المشاهدين والمتابعين، وأوضح أن البرامج الوثائقية كانت مزدهرة فـي تلك الفترة، حيث واكب التلفزيون النهضة المباركة عبر إنتاج برامج وثائقية وفنية متعددة، عكست الواقع الثقافـي المادي والتاريخي لعُمان بمختلف ولاياتها وقراها.

وأضاف المخرج سعيد المالكي: إن المواطن العُماني الذي عاصر تلك الفترة يلمس بوضوح أهمية هذه البرامج ودورها فـي ترسيخ تفاصيل الثقافة العُمانية داخل المجتمع، مشيرًا إلى أنها كانت مادة ثرية وجاذبة لجميع المتابعين، وحول أبرز التحديات التي واجهها التلفزيون العُماني فـي بداياته، قال: إن الإعلام العُماني واجه العديد من الصعوبات، من أبرزها الواقع الجغرافـي المترامي الأطراف لعُمان، من مسندم إلى ظفار، مما جعل إيصال البث التلفزيوني إلى كل شبر من أرض الوطن مهمة شاقة، وأشار إلى أن محدودية الإمكانات والأجهزة المتاحة فـي تلك الفترة شكّلت تحديًا إضافـيًا، إلى جانب الحاجة لتوفـير الأجهزة المناسبة لشتى تخصصات العمل التلفزيوني.

وأضاف المالكي: إن التحدي الأكبر كان فـي تدريب الكوادر العُمانية التي دخلت هذا المجال، وأثبتت فـيما بعد قدرتها الكبيرة على قيادة هذا الجهاز الإعلامي المهم بكفاءة، سواء فـي الجانب الفني أو الإعداد أو التقديم أو الهندسة.

وأكد أن الإعلام منذ نشأته حظي بدعمٍ سامٍ من المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي اعتبره أداة أساسية فـي بناء الدولة الحديثة.