المخرج وليد عوني: دمج الموسيقى الشرقية مع الرقص الغربي أضفى طابعا فريدا على أعمالي
- تجربتي الحديثة مع "شهرزاد" تعكس التوترات والاضطرابات التي نعيشها.
- تتطور العروض الفنية بمرور الزمن ومع تغير الأجيال والأحداث العالمية.
- الجمهور العُماني مثقف ومتذوق للفن، والأوبرا العُمانية تعكس تقديرا عميقا للفن والتراث.
- تصميم الرقص هو فن التعبير بالحركة، وأسعى دائما لتقديم فن يحمل بعدا إنسانيا عميقا.
بين خشبة المسرح وكرسي الحضور، وأمامه مجموعة من الشاشات وأجهزة تنظيم الصوتيات، أعلن عن انطلاق "بروفات" العرض الراقص الشهير "شهرزاد"، ممسكا بالميكروفون ليتابع أهم تفاصيل الأداء ويبدي ملاحظاته أولا بأول، بين نبرة تشجيع وأخرى معاتبة، ويلاحظ مواقع الراقصين وأدواتهم المصاحبة. هكذا بدا المبدع المصري "وليد عوني"، الاسم البارز في عالم الفنون كواحد من أهم المبدعين في مجالي تصميم الرقص والإخراج، مع تاريخ طويل وتجارب غنية تجمع بين التراث العربي والأداء الغربي، واستطاع أن يوجد لغة فنية فريدة تعبر عن التناغم بين الثقافات المختلفة.
اقتنصنا فسحة من وقته أثناء "البروفات" لتكون فرصة للحوار، وذلك قبل يومين من استضافة دار الفنون الموسيقية بدار الأوبرا السلطانية للعرض الراقص "شهرزاد" أمس الخميس واليوم الجمعة.
وفي هذا الحوار، استعرض وليد عوني رؤيته حول مفهوم تصميم الرقص، وتأثير الثقافات المختلفة على عمله، وتطور عروضه عبر السنوات، كما حدثنا عن تجربته الخاصة مع العرض الشهير "شهرزاد" الذي أطلقه في عام 2000 ويستمر في تقديمه إلى اليوم، وتحدث عن أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والفني في عالم متغير، كما سلط الضوء على تجربته الفنية في سلطنة عمان وتقديره للجمهور العماني المثقف، فإلى ما قال:
• أستاذ وليد عوني، لديك تاريخ طويل في تصميم الرقص والإخراج، بداية، نود أن نسألك عن مفهوم تصميم الرقص؟
- تصميم الرقص هو فن التعبير بالحركة، فمنذ العصور الأولى تقريبا، كانت الحركات الجسدية تُستخدم كوسيلة للتعبد والتواصل مع الطبيعة والسماء والشمس، وكذلك الحال في الثقافات المختلفة مثل إفريقيا واليابان والهند، كانت الحركات الجسدية جزءا من الطقوس الدينية، وكان التعبير بالحركة موجودا قبل ظهور الموسيقى، ولاحقا، تطورت الموسيقى ورافقت تطوّر الرقص، من الرقص الفلكلوري إلى الرقص الكلاسيكي والحديث وصلًا إلى الرقص المسرحي الحديث، وهو تخصصنا الحالي.
• تعريفك للرقص يجذبني إلى فكرة تعدد الثقافات وظهور تعابير حركية أو الرقص في أمصار مختلفة بشكل متزامن، فأصبحت لكل دولة رقص معين وتعبير خاص. ما رأيك في المزيج بين الرقص الغربي والرقص العربي كما شاهدنا اليوم في البروفات حيث لاحظت وجود الدبكة والرقص الغربي والشرقي؟
- أنا أحب هذا المزيج. بدأت في الثمانينيات، وكانت أولى تجاربي في الرقص المسرحي الحديث تتضمن عناصر من تراثنا العربي. على سبيل المثال، عندما بدأت العمل في بلجيكا، كان لدي اهتمام خاص بأعمال جبران خليل جبران، وعبد الوهاب البياتي، ورابعة العدوية. أنا تربيت في أوروبا، ولكني أظل متمسكًا بهويتي الشرقية. والعمل مع مصمم عالمي مثل "موريس بيجار" أتاح لي الفرصة لتقديم الموسيقى الشرقية، مثل أغاني أم كلثوم، ودمجها مع الرقص الغربي.
• حدّثنا عن تجربتك مع عرض "شهرزاد" الذي وُلد قبل 24 عاما، وما هي الفروقات أو التطورات التي طرأت عليه على مر السنين؟
- بدأت بعرض "شهرزاد" منذ عام 2000، بالطبع، هناك تطورات وتغييرات تحدث مع كل جيل جديد من الراقصين، نحن نعيش في أوقات مضطربة، مما يؤثر على طريقة تقديم القصة، في العرض، قمت بدمج الموسيقى الشرقية مع موسيقى "كورساكوف" لإضفاء نكهة شرقية مميزة، كما استخدمت مقاطع موسيقية من نصير شما لإعطاء العمل طابعا فريدا، القصة تتغير لتواكب العصر، فمثلا في أحد العروض، تتحول شخصية زمردة التي تحمل كتاب "ألف ليلة وليلة" وتقتل شهريار في بداية العرض. الأحداث تتغير باستمرار لتعكس التوترات والاضطرابات التي نعيشها، وفي النهاية، تسعى شهرزاد للبحث عن شهريار الحقيقي، مما يضفي على القصة بعدا إنسانيا عميقا.
* عاما بعد عام، لا بد من دخول جيل جديد في فريق العمل، هل "شهرزاد" بمثابة مدرسة تنتقل من جيل إلى جيل؟
- بالطبع، العروض تتطور مع مرور الزمن ومع تغير الأجيال، نحن نعيش في عالم مليء بالاضطرابات، وهذا ينعكس على أعمالنا الفنية، في كل عرض جديد، نضيف عناصر جديدة ونغير بعض التفاصيل لتعكس الأوضاع الحالية، كما أن الأجيال الجديدة من الراقصين يضيفون لمساتهم الخاصة، مما يجعل كل عرض فريدا. بهذا الشكل، نضمن أن تستمر العروض في التطور وتبقى حية ومواكبة للعصر.
• لاحظت غياب الموسيقى الحية والعازفين، هل يعتمد عرض "شهرزاد" دائما على الموسيقى التسجيلية؟
- لا، على الإطلاق، لطالما قدمت عرض "شهرزاد" مع أوركسترا في العديد من الدول، ولكن تبقى المسألة بحسب الظروف الراهنة والطلبات، وأحيانا تكون التكاليف مؤثرة. في الحقيقة، كنت أتمنى أن أقدمها في سلطنة عمان مع الأوركسترا.
• حدثنا عن تجربتك هذه في سلطنة عمان، هل هو أول عمل تقدمه؟
- بالعكس، لقد قدمت عددا من الأعمال سابقا في سلطنة عمان، في دار الأوبرا السلطانية وفي مسارح أخرى. ففي دار الأوبرا، قدمت عرض "ابن بطوطة" و"عنترة"، كما قدمت "شهرزاد" في حصن الفليج سابقا، وذلك قبل حوالي 17 عاما تقريبا، ولكني قدمتها بطريقة "كورساكوف" مع نصير شما
• قبل عودتك لاستئناف البروفات، هل من كلمة أخيرة نختتم بها الحديث؟
- أتمنى أن تظل سلطنة عُمان متمسكة بفنها وثقافتها، فالجمهور العُماني جمهور مثقف ومتذوق للفن، وقد رأيت ذلك في دار الأوبرا، فقد أصبحت الأوبرا جزءًا مهمًا من الثقافة هنا بفضل الأساسيات التي تم وضعها منذ عهد السلطان قابوس رحمه الله، ولديكم أوركسترا سيمفونية مهمة وفن راقٍ، وهذا يعكس مدى تقديركم للفن القديم والتراث والإرث الحديث والمستقبلي، فأوبرا عُمان عظيمة وفخمة، وتحافظون عليها بطريقة فنية رائعة، وهذا شيء جميل.
عرض شهرزاد
وعلى مدى يومين، أمس الخميس، واليوم الجمعة، قدمت "فرقة الرقص المسرحي الحديث المصري" التابعة لدار الأوبرا المصرية، عرضها الراقص "شهرزاد"، واستحضر العمل البصري موسيقى كلاسيكية ومعاصرة ومزيجا من الثقافات بين العربية والأجنبية والآسيوية، وكأن العرض يأخذك إلى عوالم مختلفة بداية من موسيقى "شهرزاد" الكلاسيكية لمؤلفها "نيكولاي ريمسكي كورساكوف"، وأغنية "سلمى" العربية بصوت ريما خشيش، وموسيقى أخرى عالمية مختلفة الأقطار مُزجت في هذا العرض.
أما الحكاية التي تجزأت على أربعة فصول، فقد كانت حكاية بلغة صامتة، وكان الرقص والأداء الجسدي كفيلا أن يُلقن الحضور تفاصيل الحكاية أو جزءا منها، ليدعم الكتيب المرافق للحفل لغة العرض بسرد تفاصيل أدق عن العمل المسرحي، ففي الفصل الأول تسير الحكاية في قصر فخم، وتلتقي شخصيات من "ألف ليلة وليلة"، وتسرد زمردة قصة شهرزاد على الملك شهريار، وتتحول الخرافة إلى واقع بظهور شهرزاد التي تغوي الملك، ويتداخل الخيال مع الحقيقة، وتنشأ صراعات الحب والغيرة بين الشخصيات الرئيسية.
وفي الفصل الثاني تلتقي شهرزاد بشهريار الحزين، ويستدعي علاء الدين وفانوسه السحري لإبعاد مسرور ومسرورة وإعادة كهرمان إلى زمردة، تستدعي شهرزاد شخصيات من بلاد ما بين النهرين، وزمردة تستدعي شخصيات من بلاد السند والهند، ليبقى الصراع بين الحب والخيال مستمران.
وتنجح شهرزاد في الفصل الثالث في كسب قلب شهريار برقصة القوس، بينما تحاول زمردة استعادة كهرمان بمساعدة عصفور الجنة والدراويش، ويتدخل مسرور ومسرورة، فيسرقان أجنحة عصفور الجنة، مما يجعله إنسانًا يعاني، وتختفي زمردة وحيدة بسهم الحب في يدها.
وفي آخر الفصول تدور معركة نهائية بين الشخصيات، حيث تستمر شهرزاد في إغواء شهريار، ويستدعي علاء الدين القراصنة من فانوسه للقضاء على مسرور ومسرورة. يعود شهريار الحقيقي ليلتقي بشهرزاد بسعادة، بينما يعود كهرمان إلى زمردة، ويغلقان كتاب "ألف ليلة وليلة" ليعيش الجميع في حب وسعادة أبدية.
وليد عوني في سطور
وليد عوني هو فنان مصري رائد في مجال الرقص المسرحي الحديث. بدأ مسيرته الفنية في بلجيكا خلال الثمانينيات، حيث درس فن الجرافيك والفنون التشكيلية في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسل. عمل مع المصمم العالمي موريس بيجار كمساعد ومصمم للسينوغرافيا من عام 1981 حتى عام 1990، أسس عوني أول فرقة له، "فرقة التانيت للرقص المسرحي"، في بروكسل عام 1980. وفي عام 1988، افتتحت فرقته مسرح معهد العالم العربي في باريس. اعترفت به وزارة الثقافة البلجيكية كمصمم للرقص المسرحي الحديث المصري، وخلال هذه الفترة، قدم عشرة عروض بارزة، من بينها "جبران خليل جبران" و"رابعة العدوية".
في عام 1993، كلفه وزير الثقافة المصري فاروق حسني بتأسيس أول فرقة للرقص المسرحي الحديث في مصر، والتي كانت الأولى من نوعها في العالم العربي. أسس عوني أيضًا مدرسة للرقص المسرحي الحديث في مركز الإبداع الفني، وأطلق أول مهرجان دولي للرقص المسرحي الحديث في مصر، بالإضافة إلى تأسيس فرقة "فرسان الشرق للتراث".
منذ عام 1993 حتى عام 2020، أخرج عوني أكثر من ثلاثين عرضًا مع فرقة الرقص المسرحي الحديث المصري، بجانب تنظيم احتفالات وطنية كبرى مثل افتتاح ترميم تمثال أبو الهول وافتتاح مكتبة الإسكندرية. كما أخرج أوبرا "دون باسكوالي" و"دون "جيوفاني" لموتسارت، و"عنتر وعبلة" لأوبرا لبنان، وعرض "عصفور النار" لفرقة باليه أوبرا القاهرة.
حاز وليد عوني على العديد من الجوائز والأوسمة، منها الوسام الياباني للفنون في عام 1988، ووسام الشرف برتبة فارس من الحكومة اللبنانية، ووسام الفن والأدب الفرنسي. ذُكر في الموسوعة العربية للفنانين العرب، وفي عام 2020، أُدرج اسمه في الموسوعة الأمريكية العالمية أوكسفورد لفنون الرقص المؤسسي.