مختصون: ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.. و«القولون» الأكثر انتشارا
أكد مختصون أن معدلات الإصابة بمختلف أنواع السرطان في سلطنة عمان سجلت اتجاهات تصاعدية على مدار السنوات الماضية، مشيرين إلى تسجيل بعض أنواع السرطانات في أعمار أصغر خلال العقد الماضي قد تصل لأعمار الثلاثين، وحذروا من أن تزايد الحالات يضع تحديات صحية واجتماعية واقتصادية على المجتمع.
وعلى الرغم من الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات بين الذكور والإناث، أوضح المختصون أن التحسينات الكبيرة في التصوير التشخيصي وتحديد المراحل، مكنت من إجراء تشخيصات أكثر دقة وأساليب علاجية مصممة خصيصا لكل مرحلة، ما ساهم في زيادة احتمالية البقاء على قيد الحياة لدى المرضى، وأن التطورات الحديثة في علاج السرطان كالعلاج المناعي، والطب الدقيق أحدثا طفرة جديدة في التشافي.
وكشف آخر تقرير حول الإصابة بالسرطان في 2019م صادر عن وزارة الصحة أنّ أعداد العُمانيين المصابين بالسرطان بلغ 2089 حالة حتى نهاية عام 2019 بارتفاع 20.4 بالمائة مقارنة بعام 2015م حيث كان العدد 1735 حالة، وبمعدل 78.7 لكل 100 ألف من السكان.
ويُشير التقرير إلى أن حالات النساء بلغت 1158 حالة، وهو إجمالي أكبر من حالات الذكور المصابين البالغ عددهم 931 حالة، ويمثل سرطان القولون والمستقيم النسبة الأكبر بين الذكور 13.3 بالمائة يليه سرطان البروستاتا 12.1 بالمائة ثم سرطان المعدة 6.9 بالمائة، بينما يُعدُّ سرطان الثدي هو الأكثر انتشارًا بين الإناث بنسبة 29.2 بالمائة، يليه سرطان الغدة الدرقية 16 بالمائة، بينما يمثل سرطان القولون والمستقيم 7.7 بالمائة.
سرطان البروستاتا
وقال الدكتور سليمان بن محمد السعدي استشاري طب الأورام بمركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان: يعد سرطان البروستاتا ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعا عند الذكور بين السكان العمانيين بناء على إحصائيات وزارة الصحة للسرطان في عمان لعام 2019، حيث تم توثيق 113 حالة في عام 2019، وأظهرت الدراسات أن معدل الإصابة بسرطان البروستاتا سجل اتجاهات تصاعدية بين السكان العمانيين على مدار السنوات الماضية.
وأشار الدكتور سليمان إلى أن أسباب هذه الزيادة غير واضحة ولم تتم دراستها على السكان محليا، لكن بعض الدراسات أشارت إلى بعض عوامل الخطر المحتملة على مستوى العالم، بما في ذلك زيادة انتشار السمنة ومرض السكري، والنظام الغذائي الغربي، وعدم كفاية النشاط البدني في البلدان التي شهدت زيادة في انتشار سرطان البروستاتا، موضحا أن من الأمثلة على الأنظمة الغذائية التي تزيد من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا اللحوم الحمراء، إضافة إلى النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة منخفضة من الخضار.
عوامل وراثية
وأضاف السعدي: تعد الشيخوخة عاملا مهما لزيادة انتشار سرطان البروستاتا، وذلك نظرا لقلة حدوث سرطان البروستاتا قبل سن الأربعين، إلا أن معدل الإصابة يرتفع بسرعة بعد ذلك، ويبلغ ذروته بين سن 65 و74 عاما، وعلى الرغم من أن معدل الإصابة الإجمالي منخفض جدا، إلا أن بعض البيانات تشير إلى أن معدل الإصابة بسرطان البروستاتا لدى الرجال الأصغر سنا قد يكون في ازدياد عالميا، موضحا أن حدوث سرطان البروستاتا في بعض الأحيان نتيجة إلى عوامل وراثية موروثة من أحد الوالدين، وتمتد لأجيال متعددة، في حين أن وجود تاريخ عائلي لسرطان البروستاتا يزيد من خطر إصابة الرجال بالحالة، فإن معظم حالات سرطان البروستاتا تحدث لدى الرجال دون أي تاريخ عائلي للمرض، وعلى الرغم من الزيادة في معدلات الإصابة، فإن معدلات البقاء على قيد الحياة لسرطان البروستاتا تزايدت على مدى العقدين الماضيين، بسبب ظهور خيارات علاجية متعددة كالعلاج الإشعاعي الموضعي، مشيرا إلى التقدم في علاجات إطالة العمر، بما في ذلك العلاج الكيميائي والعلاجات المثبطة للأندروجين، إلى جانب التحسينات الكبيرة في التصوير التشخيصي وتحديد المراحل، قد مكنت من إجراء تشخيصات أكثر دقة وأساليب علاجية مصممة خصيصا لكل مرحلة، مما ساهم في زيادة احتمالية البقاء على قيد الحياة لدى المرضى.
سرطان القولون
من جانبه قال الدكتور محمد بن عبدالله الحوسني «استشاري جراحة أورام» بمركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث السرطان: يعتبر سرطان القولون من أكثر أنواع السرطان انتشارا في العالم، حيث تزايدت أعداد المرضى بشكل متسارع في العقود الأخيرة مع حدوث هذا المرض في أعمار مبكرة عما كان معهودا في السابق، وينطبق هذا أيضا مع الانطباع الملاحظ في سلطنة عمان، مشيرا إلى أنه بحسب آخر الإحصائيات في سلطنة عمان، فنسبة هذه الأورام هي أيضا الثالثة محليا، وتظهر الدراسات والملاحظات العالمية والمحلية حدوث هذا السرطان في أعمار أصغر خلال العقد الماضي قد تصل لأعمار الثلاثين، ويضع هذا الوضع تحديات صحية واجتماعية واقتصادية على المجتمع.
وأفاد الدكتور محمد أن القولون أو ما يسمى بالأمعاء الغليظة، هو جزء من الجهاز الهضمي يتم فيه امتصاص الماء من الغذاء والتخلص من بقايا الطعام، وتتكون الأورام السرطانية في أي جزء من القولون، بدءا من الجانب الأيمن وانتهاء بالمستقيم والذي يعتبر آخر جزء منه قبل منطقة الخروج، موضحا أن هذه الكتل تتكون على مدى أشهر وسنوات طويلة قبل تحورها لأورام خبيثة، وتبدأ معظم هذه الأورام من لحميات في القولون تكبر وتتحول، إذا لم تتم إزالتها في وقت مبكر، وينقسم مدى تحور هذه الأورام لدرجات تعكس المدة الزمنية للتحور، إضافة إلى عنف هذه الأورام وقابليتها للانتشار موضعيا وإلى أعضاء أخرى كالكبد والرئة.
النظام الغذائي
وأضاف: لا يوجد سبب مباشر لسرطان القولون وإنما مسببات غير مباشرة تتراكم مع عوامل جينية تساعد على تكون هذه الأورام، ويعتبر تغير نظام الغذاء الذي واكب تطور المجتمعات من أهم العوامل الملائمة للزيادة الحالية في الإصابات، خاصة الابتعاد عن الطعام الطازج المحضر في البيوت، واعتماد الأجيال الجديدة على الوجبات السريعة المليئة بالمواد المصنعة الملونة والحافظة، أنتج نظاما غذائيا قاسيا على البطانة الداخلية للقولون، إضافة إلى الأغذية المعلبة المليئة بالمواد الكيماوية.
مشيرا إلى أنه لا توجد أعراض خاصة لهذه الأورام في بداية تكونها، ولكن قد يشتكي المريض من إمساك غير معهود أو خروج الدم (الداكن أو الأحمر) مع البراز، مؤكدا أنه في الحالات المتقدمة قد يصاحب هذا ضعف عام مع نقص الشهية والوزن، لذلك يجب عدم إهمال هذه الأعراض عند حدوثها وعدم التردد في طلب الاستشارة الطبية المتخصصة عند حصولها، وأن عدم وجود أعراض خاصة في بداية تكون هذه الأورام في معظم الحالات، ويستدعي الاهتمام بالفحص المبكر لمن بلغ سن الخامسة والأربعين، وفي حالة وجود أقارب مصابين بهذه الأورام ينبغي النظر في عمل هذه الفحوصات في أعمار أقل حسب استشارة الطبيب.
الاكتشاف المبكر
ونوه الدكتور محمد أن أهم نقطة في العلاج هي التركيز على الاكتشاف المبكر لهذه الأورام؛ لأن العلاج يعتمد على مدى تطور المرض، ففي الحالات المبكرة قد يكفي الاستئصال بالمنظار السفلي، أما في معظم الحالات فيتكون العلاج من عدة خطوات قد تشتمل على التدخل الجراحي، إضافة إلى العلاج بالأدوية الكيمياوية والعلاج بتقنيات الإشعاع، موضحا أن الجراحة تعد الركيزة الأهم في علاج هذه الأورام ما لم تكن في مرحلة الانتشار للأعضاء الأخرى، مشيرا إلى أنه بفضل تطور التقنيات الجراحية وأدواتها في العمليات المفتوحة، ودخول المناظير الجراحية وتقنية العمليات الروبوتية أدى ذلك لتحسن نتائج هذه العمليات مع تقليل مضاعفاتها على المريض، إلى جانب اتباع بروتوكولات التنويم القصير والتعافي المدعم بعد العملية مما نتج عنه رجوع المرضى لأسرهم ولحياتهم الطبيعية بشكل أسرع، حيث أن العلاج بالأدوية الكيمياوية يعد من العلاجات المعتمدة لهذا النوع من السرطان خاصة في حالات المرحلة الثالثة (انتشار موضعي) أو المرحلة الرابعة (انتشار لأعضاء أخرى)، لمساعدة المريض لتقليل حجم وانتشار الورم وتحسين النتائج بعد الجراحة.
وأوضح الدكتور محمد أن الدراسات الحديثة تظهر فائدة كبيرة للعلاج بالإشعاع قبل استئصال الورم في أنواع محددة من سرطان القولون (أورام المستقيم)، وأن تكاثف العلاجات في الحالات التي تستدعي ذلك يعطي نتائج أفضل للمريض، لذلك أصبح علاج سرطان القولون منوطا بفريق متخصص بالأورام يشمل الجراح المتخصص، وطبيب الأورام والطبيب المختص بعلاج الإشعاع.
البيئة المحيطة
وقالت الدكتورة عبير أنور الصائغ استشارية أولى في علم الجينوم بمركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث السرطان إن أعداد المصابين بمرض السرطان بازدياد محليا، ويعد سرطان الثدي، وسرطان الغدة الدرقية، وسرطان القولون من أكثر السرطانات انتشارا في النساء، فيما يعد سرطان القولون، وسرطان أمراض الدم اللوكيميا، وسرطان الغدد اللمفاوية أكثرها انتشارا بين الرجال، مشيرة إلى أن البيئة المحيطة تؤدي دورا كبيرا في الإصابة بأنواع معينة من السرطانات كالتعرض للمواد المسرطنة كدخان التبغ، والأسبستوس، والأشعة فوق البنفسجية، وبعض المواد الكيميائية الموجودة في الهواء أو الماء الملوث، تؤدي إلى تلف الحمض النووي الخلوي، مما ينتج عنه بدء وتطور السرطان، كما تساهم خيارات نمط الحياة مثل النظام الغذائي السيئ، وقلة النشاط البدني، والإفراط في استهلاك الكحول في بدء حدوث السرطان من خلال تعزيز الالتهاب، والإجهاد التأكسدي، والاختلالات الهرمونية داخل الجسم.
مواد مسرطنة
وأوضحت الدكتورة عبير أنه تم التعرف على العديد من الفيروسات باعتبارها مواد مسرطنة قوية قادرة على إحداث السرطان لدى البشر، ويعد فيروس الورم الحليمي البشري مثالا رئيسيا على ذلك، فهو مسؤول عن غالبية حالات سرطان عنق الرحم، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من سرطانات الفم والبلعوم والشرج والأعضاء التناسلية، مشيرة إلى أن مع تقدم الفرد في العمر يزداد خطر الإصابة بالسرطان، حيث إن الشيخوخة ترتبط بالتراكم التدريجي للطفرات الجينية والتغيرات في الوظيفة الخلوية، مما يجعل الأفراد الأكبر سنا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان، وتؤكد هذه الزيادة المرتبطة بالعمر في حالات الإصابة بالسرطان على أهمية استراتيجيات الكشف والتدخل المبكر، وخاصة للسكان المسنين. وأشارت الدكتورة إلى أن الجهاز المناعي القوي يلعب دورا حاسما في التعرف على الخلايا غير الطبيعية والقضاء عليها قبل أن تتطور إلى سرطان كامل، ولكن هناك عدد من الحالات التي تؤثر على وظيفة المناعة كفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، أو العلاجات المثبطة للمناعة بعد زرع الأعضاء التي تعمل على زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مضيفة أن العوامل الهرمونية تمارس تأثيرات قوية على نمو الخلايا وانتشارها، مما يجعلها تساهم بشكل كبير في تطور السرطان، كما يمكن لعوامل مثل الحيض المبكر، وانقطاع الطمث المتأخر، والعلاج بالهرمونات البديلة، بالإضافة إلى التاريخ الإنجابي أن تؤثر على التوازن الهرموني وتؤثر على خطر الإصابة بالسرطان، كما ركزت التطورات الحديثة في علاج السرطان على عدة مجالات رئيسية، بما في ذلك العلاج المناعي، والطب الدقيق، والأساليب العلاجية الجديدة.