تقاذف المسؤوليات وغياب الاستراتيجيات الواضحة يجعلنا أمة لا تقرأ !
أسئلة كثيرة تدور في الذهن عندما تناقش موضوع الكتاب وكيف نصل به للقارئ، أو بطريقة أخرى كيف نعيد القارئ للكتاب لكي نصبح أمة تقرأ...؟
كيف يمكن أن يحدث ذلك في ظل غلاء الطباعة، واقتصار ما يتم طباعته على عدد قليل من النسخ لغرض المعارض وما شابه ذلك..؟
ما هي الأفكار لنشر الكتاب بشكل واسع، وهل وجود المعارض السنوية وبعض المسابقات هنا وهناك تكفي، وهل النشر الإلكتروني يؤدي الغرض للقارئ والكاتب معًا..؟
وعلى من تقع مسؤولية نشر شغف القراءة...؟
وهذا ما يدفعني للقول: هل الكتاب في أزمة، أم القارئ، أم الكاتب ذاته الذي يعتصر بنات أفكاره ليكتب وليقدم للقارئ نتاج إبداعه، وهل من مسؤوليته أن يقوم هو بتحمل كل هذا العناء، يكتب ويطبع ويسوّق؟
ما هي مسؤولية دور النشر في هذا الموضوع، هل وجد غالبها فقط لغرض تجاري، وكيف يمكن أن تبعد عنها حملات التشكيك بدورها الذي لا يتعدى أن يكون ربحيا على حساب القارئ والكاتب معًا؟
ما هي مسؤولية الحكومات والهيئات والمنظمات المدنية واتحادات الكتّاب واتحاد الناشرين في توفير هذه السلعة الثقافية للقارئ من أجل بناء أجيال، وتنمية الأفكار، أو على الأقل لمواجهة التسطيح الذي بات يغلّف تفكير أجيال كثيرة باتت تعتمد على تمضية أوقات فراغها بالألعاب الإلكترونية؟
هل يتحمل القارئ مسؤولية عدم القراءة لأنه لا يبحث عن الكتاب، هل هي مسؤولية الأهل أمام أبنائهم، أم مسؤولية الفرد الذي يجب أن يقرأ لينمي مداركه العلمية والثقافية...؟
هل بات الكتاب نوعًا من الترفيه في مجتمعات تعاني اقتصاديا، وحتى تلك التي لا تعاني أصبح الكتاب في ذيل لائحة الاهتمامات بسبب التكنولوجيا التي غزت العقول والقلوب..؟
كل هذه الأسئلة كانت محور حواراتي مع أصحاب الشأن، تعالوا نتابع:
الكتاب ليس في أزمة
الدكتور هيثم حافظ نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب ورئيس اتحاد الناشرين في سوريا، ومدير دار الحافظ وصاحب دار الحكمة يقول: فكرة أن الكتاب في أزمة كبيرة هي فكرة خاطئة، مرّ الكتاب في أزمات كثيرة أشد وأقسى مثل تفشي الأمية وارتفاع أسعار الورق وغيرها، ولكن القضية أن الكتاب يحتاج لكي يصبح في متناول الجميع أن يكون المحتوى جيدًا، وحتى نُحسن من اختيار المحتوى يجب أن نُحسن إيصال الكتاب للمستوى والمكان الذي نريد، الكتاب رونق الحياة الثقافية وألقها والوسيلة الأنجع والأنجح للمعرفة والعلم والتربية والتعليم سواء في الحياة العامة أو المدارس والجامعات، لذلك وجب علينا تطوير صناعة النشر عمومًا في الوطن العربي من خلال إيجاد معارض متخصصة تليق بالكتاب مثل معرض للكتاب الطبي، وكتاب الطفل والمرأة والتراث والقرآن الكريم، وغيرها، الكتاب بكل أبعاده مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق الجميع، ونحن بحاجة إلى هذه الخطوات.
وأردف الحافظ مقترحا: الوطن العربي بمؤسساته المختلفة يسعى من خلال المسابقات والأفكار الحديثة والمستحدثة إلى تطوير صناعة النشر والاعتماد على الكتاب العربي بشكله الواسع، المعارض العربية لها دور كبير وإيجابي في تطوير صناعة النشر عربيًا، وهي مدعوة لإعادة الألق للكتاب بإيجاد معارض متخصصة، الدول كلها تسعى لتطوير صناعة النشر، والفارق شاسع بيننا وبين العالم، وكلما طورناها نكون قد طورنا العلم والثقافة والتربية والأخلاق، لأن بناء النشر مبني على رفع المستوى التعليمي والثقافي ويجب أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة لأن نرفع سويًا النشر عربيًا إن كان على الصعيد الخاص أو العام من خلال تشجيع دور نشر خاصة أو مدعومة من الدولة لتوسيع عملية النشر، ونسعى من خلالها بالتعاون مع الجهات المعنية لتقديم القراءة للناس بصورتها المثلى، وعندما نلمس ضعفًا في القراءة يعني أننا في بداية الطريق وعندما نعمل في هذا الاتجاه نكون قد قضينا على عدد الأميين في الوطن العربي، مهما كانت نسبتهم.
وحول النشر الإلكتروني ودوره أوضح الحافظ قائلا: لن يستطيع أن يكون بديلًا عن النشر التقليدي وهو وجهة نظر مرتبطة بالتقنيات الحديثة التي توجد في مكان ولا توجد في مكان آخر من تلك الدول، ولا يمكن اعتباره طريقة إيجابية وحديثة ومتطورة لرفع مستوى النشر والقراءة وقد يكون مساعدًا وليس أكثر.
وأشار الدكتور هيثم إلى أن «مسؤولية ضعف القراءة وانتشار الكتاب تقع على المجتمع بأسره، المجتمع يجب أن يدعم القراءة» ونوه بقوله «نحن كمجتمع نسعى لدعم القراءة بشكل واسع وإقامة منتديات داعمة للقراءة ونشر الكتاب ليصل لأكبر شريحة من الناس».
ما هي حوافز القراءة..؟
الكاتب والشاعر المصري صبحي موسى قال: للأسف الكتاب الورقي، وربما القراءة بشكل عام في وضع حرج، وذلك لثورة التقنيات الحديثة ووسائل التواصل وغيرها، تلك التي تعتمد بالدرجة الأولى على الشفاهية وليس الكتابية، كما أن الجمهور لم يعد بحاجة إلى فعل الكتابة والقراءة، وإذا حدث فإنه سيلجأ إلى الإنترنت أو الشبكة الدولية للمعلومات، فإما أن يحصل على الكتاب بنظام pdf أون لاين، أو أنه سيجده على أي جروب أو مجموعة وأحيانا على مواقع التواصل مثل تليجرام وغيره.
هكذا نجد أن الكتاب الورقي في انقراض، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكتب، وضيق مساحات الشقق التي يقيم فيها الناس هذه الأيام، ومن ثم فقد أصبح الكثيرون يستغنون عنها بشراء لوح قراءة.
ويتابع موسى مشخصا ومقترحا: «المشكلة ليست في توفر الكتاب سواء كان ورقيًا أو إلكترونيًا، لكنها في الحافز الذي يدفع الناس لفعل القراءة، فكل المنجزات التي حدثت تأخذ من نصيب القراءة، فالناس يعيشون الآن على وسائل التواصل أكثر مما يشاهدون التلفزيون، وليس قراءة الكتب، ومن ثم فلا بد أن نفكر في آليات تحفيز ودفع لفعل القراءة ذاته، ويقع ذلك على عاتق الجهات التي تربح من القراءة، مثل دور النشر واتحادات الناشرين واتحادات الكتاب، هذا وفقًا للشكل المؤسسي الأهلي، كما يقع أيضا على عاتق الحكومات والدول، فلا بد أن تظهر مبادرات وطنية وقومية لتحفيز فعل القراءة، لا بد أن يشعر القارئ بأنه سيستفيد شيئا ماديا من فعل القراءة، أو أنه سيصبح مميزًا اجتماعيًا عن غيره، ويمكن أن نضع قوانين تحفيزية في لوائح مؤسساتنا، فمن يقرأ عشرة كتب في العام يأخذ مكافأة في مصنعه أو شركته، ويخفف عنه العقاب إذا كان مجازى، لا بد من أن يبتكر الكُتّاب أنفسهم آلية للتعامل مع القراء المجدين، بحيث يذهب الكاتب ليجلس معهم ويناقشهم فيما كتبه، وأن تقدم دور النشر هدايا لقرائها المُجيدين والجدد، وأن تقام مسابقات في نهاية العام تكشف عمن قرأ أكثر وأفضل، وأن تخصص كل الدول مهرجانات للقراءة، تدعم فيها الكتب وتقدم جوائز للقراء في مختلف المجالات، هكذا يمكننا القول بأننا نخلق القارئ أولا قبل أن نفكر في طباعة الكتب».
الأوضاع الاقتصادية
الكاتبة اليمنية الدكتورة سهير السمان مدير إدارة النشر في هيئة العامة للكتاب في صنعاء أشارت إلى أن إشكالية النشر في الوطن العربي هي أحد أهم إشكالياته وأزماته العديدة، والتي تعد من نتائج تردي الوضع الثقافي بشكل عام في مختلف قنواته، والكتاب تأثر بعوامل كثيرة أدت إلى صعوبة نشره وتوزيعه على المستوى المحلي للدولة الواحدة أو على المستوى العربي والخارجي، وأهم تلك العوامل هو تخلي مؤسسات الدول الحكومية، عن دورها الحضاري في نشر الثقافة، والاهتمام بالكتاب والمبدعين، كما أن الثقافة أصبحت هي آخر جانب ينال اهتمام الحكومات العربية، وخصوصا في ظل الأوضاع السياسية القلقة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب الحروب والأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما انعكس على قدرة المواطن الشرائية للكتاب، كما أن الإنترنت وثورة المعلومات سبب في توجه الناس لاستقصاء المعلومة والقراءة من مواقع وصفحات الإنترنت التي لا تعد ولا تحصى.
وتابعت قائلة: إن تدني الوعي الثقافي والأمية عامل من عوامل تحجيم تداول الكتاب والاهتمام به كمنتج مهم في حياة الناس كأي سلعة يستهلكونها، حتى وإن وجد الاهتمام من بعض الفئات في المجتمعات العربية بالكتاب فالملاحظ أن الكثير منهم يتوجهون لكتب الطبخ والتنجيم والكتب التجارية الاستهلاكية التي لا تؤدي دورا في تنمية العقل، وتسهم في التقدم والتطور للمجتمعات، ولعل أهم العوامل في كل هذا، هو غياب الاستراتيجية والرؤية الثقافية لمؤسسات الدول العربية، سواء الحكومية منها أو الخاصة والأهلية.
واتهمت سهير الصحافة الثقافية الاستهلاكية التسطيحية التي لا تهتم بالفكر والقضايا المجتمعية المهمة، أو النقد الجاد، أو النصوص الأدبية المبدعة، وأنها أسرفت في استضافة الكتابات الاستهلاكية، والصحفية الانطباعية وظهور البرامج الفضائية التي تنشر الغباء والجهل بين المواطنين، إلى جانب ظهور تلك التطبيقات ووسائل التواصل التي تستهلك أوقات الناس، وتبعدهم عن أجواء القراءة والهدوء.
وقالت: إن المعارض التي تقام في العواصم العربية، تعتبر مهرجانًا مهمًا لعقد الصلة بين الجماهير العربية وبين الكتاب، حتى وإن كانت لا تؤدي دورها على المستوى المطلوب في توعية الجماهير المرتادة للمعارض بأهمية القراءة، حيث تخصص الندوات للنخبة، ورأيي أنه يجب ضمن هذه الندوات أن يتكفل القائمون على التنظيم تخصيص ندوات جماهيرية في هذه المعارض للتوعية الثقافية.
وأكدت سهير أن الكتاب الإلكتروني وإن كان أسهل في الحصول عليه، وأوفر بالنسبة للقارئ إلا أنه لا يغني عن الكتاب الورقي لأنه أبقى وأضمن في استمراريته زمنيا، بل أنه أكثر قدرة على ربط القارئ بجو القراءة.
بؤس الحال
الكاتب السعودي محمد بن مانع الشهري استهل إجاباته بالقول: «تذكرت ما قيل عن هارون الرشيد الذي كان يعطي الكُتاب أوزان كتبهم ذهبا، ولهذا أرى أن التنوير هو بعث للأمم، وأن للسياسي دوره في هذا المجال، لا يمكن لك أن تبني إنسانا دون إرادة سياسية، وبالتالي لن تكون القراءة نهمًا لعالم يتمزق بسبب الحروب، والجوع، والأمية... الخ».
وأشار الشهري إلى أن الحال العربي بائس جدا، فالكاتب يطبع كتبه على حسابه الخاص، وليته يسلم من غش دور النشر، أو حتى غش مجتمعه الذي لا يقرأ، أو أنه في أحسن الأحوال قد باعه بسبب آرائه التي تدعم هذا الحزب، أو الفريق، أو السلطة بشكل عام، على حساب الواقع المر، (نحن عرق نستحق أفضل من هذا بكثير).
وحول انتشار الكتاب قال الشهري: الترويج للقراءة والكتاب حمل يتحمل جزء منه الكُتّاب أنفسهم، نعم، فبعض الكتّاب لم يعودوا يقرأوا، وما يؤلم أكثر أنهم يصرّحون بها في بعض المجالس، لذا وجب علينا أن ننمي عند الأطفال حب الاطلاع والقراءة، أن نعتمد على تلك الكتب الخفيفة لتكون بدايات لكل قارئ، أن نجعل من وسائل التواصل الاجتماعي إعلانًا، وترويجًا للكتب الجديدة الجيدة، وتذكيرا بأمهات الكتب لتكون مرجعًا ونبراسًا، أن تتدخل الحكومات في دعم الكتاب، لتطبع الكتب بأسعار معقولة، ولتنتشر على نطاق واسع، ولكن هل ستكون كل الكتب مباحة وقابلة للنشر؟.
وقال الشهري: إن النشر الإلكتروني، شيء جيد، حيث إنه سحب البساط من تحت الناشر «التاجر وجعل السوق أكثر تنافسية، ولكنك أخيرًا لن تستغني عن الناشر» التاجر وخاصة عندما تريد أن تقرأ كتابا يزيد عن المائتي صفحة، فالتكنولوجيا ليست جيدة للصحة في بعض الأحوال، خصوصًا أن كان ضررها يصيب أغلى ما يملكه الإنسان، وهو نعمة البصر.
النشر الإلكتروني بديل أمثل
الكاتبة رشيدة دبيش صاحبة الدار المغربية العربية للنشر والتوزيع أوضحت أن صناعة الكتاب أصابها ارتفاع جد مبالغ فيه في تكلفة الطباعة، نظرًا لارتفاع أسعار الورق وأجور المطابع، وتكلفة التصميم والإخراج، وأسعار النقل والشحن والتوزيع سيما الكتب المطبوعة خارج أرض الوطن، مما حدا بدور النشر إلى التفكير في حلول بديلة حفاظا على مصالحها والقدرة على المواصلة في ظل هذه التحديات الاقتصادية الراهنة الصعبة.
ولم تشر دبيش إلى ماهية هذه الحلول ولكنها قالت: على الحكومة والوزارة المعنية بالمجال الثقافي والمعرفي إيجاد سبل لإيصال الكتاب للقارئ وذلك عن طريق إنشاء شركات توزيع وطنية قوية وأخرى عابرة للحدود، والتغلب على العراقيل والمعوقات التي تحول دون ذلك عن طريق إيجاد آليات جديدة وفعالة لدعم الكتاب وذلك بمنح دعومات مجزية لدور النشر من أجل تشجيعها على الإنتاج بأريحية دون إثقال كاهلها وميزانياتها، والعمل على تأسيس مكتبات نموذجية كبيرة كمعالم ومنارات مضيئة ذات إشعاع ثقافي وحضاري مؤثر، وتشجيع القراءة بمنح جوائز تقديرية، والتفكير في مسابقات تنافسية بين القراء بمختلف الفئات العمرية، وإيجاد آليات لحماية الملكية الفكرية وعدم ضياع حقوق المؤلف والناشر بسبب أعمال القرصنة وغيرها من المشاكل.
وأكدت دبيش أن المعارض السنوية وبعض المسابقات لا تستطيع أن تعمل على خدمة هذا الهدف النبيل في انتشار الكتاب، لأن صناعة الكتاب تعتبر من أخطر الإنتاجات على الإطلاق لدرجة أن العالم المتقدم ينظر للكتاب ويعتبره صناعة قومية، ومن أكثر الملفات حساسية لأنه لا يسهم فقط في تطوير المعرفة وتنوير الفكر فحسب بل الأهم: هو التوجيه، توجيه المعارف والمعلومات التي تتماشى مع الأهداف المسطرة والمرسومة سواء للكاتب أو الجهة الموجهة، لذلك فإن على الحكومات أن تعمل على إيجاد سبل أكثر نجاعة لإيصال الكتاب ونشره عن طريق الإعلام والمؤسسات الثقافية والتربوية والوزارات المعنية.
واعتبرت أن الكتاب الإلكتروني، المقروء والمسموع، حظيا بنجاح متزايد نظرًا لسهولة التداول من قراءة وتحميل ونقل وترجمة، المعضلة أنه يجب إيجاد بيئة تعليمية قادرة على مسايرة هذه الطفرة وهذا التميز وملاءمته مع الوضع الراهن.
وقالت: إنه سيخدم الغرض ويؤديه وذلك لسرعة انتشار المعلومة الصادرة من أي مكان بالعالم، وتحقيق الاضطلاع على ثقافة ومعارف الغير، وسرعة توزيعه واعتماده كمصدر للقراءة وللبحث عن المعلومة ولاحظنا ارتفاع نسبة المواقع التي تقوم بدور مكتبات رقمية على شبكة الإنترنت سواء ببيع الكتب بالمقابل أو بالمجان مما حدا بدور نشر كثيرة إلى إضافة الإصدارات الرقمية إلى إنتاجاتها سيما بالدول المتقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
وأشارت دبيش إلى أن مسؤولية نشر الكتاب على أوسع نطاق هي مسؤولية مشتركة بين الدولة وأصحاب رؤوس المال والقراء، وعلى الدولة أن تقوم بتأسيس دور نشر حكومية وإيلاء عملية النشر والتثقيف عناية كبيرة وإيجاد آليات فعالة لدعم وتشجيع القراءة، وكذلك مساهمة رجال الأعمال ورجال الصناعة والتجارة في إيجاد مؤسسات ثقافية توعوية واعدة لدعم هذه المنظومة وتمويلها والدفع بها من أجل تحقيق أهدافها خدمة للعلم وللمعرفة.
ولا بد من دور للقراء الشغوفين بالمعرفة، عن طريق الإقبال على الكتاب والتزود به والخروج من حالة الاستلاب العام الذي طغى في هذا الزمن الجديد زمن التسالي والألعاب وانتشار السطحية والتفاهة والفوضى والركاكة، وتخصيص وقت للقراءة.
وأكدت دبيش أن الكتاب الورقي ما زال بخير وبانتظار قارئ مجتهد قادر على الإقدام صوب التزامات وأهداف صائبة وجادة بهذه الحياة.
إنها مسؤولية الكل والتزام متبادل بين كل المكونات المدنية والثقافية والسياسية للمجتمع من أجل نشر الوعي وبناء الإنسان إنسان قادر على مواكبة طفرة العلم والتكنولوجيا الحديثة المتزايدة يومًا بعد يوم.
أين القراء..؟
الشاعر والناقد التشكيلي العراقي خضير الزيدي لخّص كل الأسئلة المطروحة بقوله: «لا أتصور وجود أي دار نشر عربية تحقق للمؤلف مبتغاه في طباعة منجزه من الإبداع الإنساني الخاص بذلك، لأن عامل الاقتصاد يقف حائلًا دون ذلك وهو أمر طبيعي لأن تجارة الكتب وطباعتها لن تحقق مردودا ماديا، فهي تجارة قابلة للكساد وللتلف، طبعًا هناك استثناءات قليلة، المشكلة أن طريقة تسويق الكاتب عند الناشر لم تصل إلى أهمية تذكر، وتكمن العلة في عالم الميديا فهي توفر قراءة ومتابعة للكثيرين، وهو أمر يحسم الكثير من الجدل في بعض الأحيان، كل ما يحصل في معارض الكتب أن مؤشرات البيع متردية لأن نفس الكتب متروكة على الرفوف ولم يتغير إلا القليل، لهذا السبب لجأت مجلات شهرية وصحف يومية ومواقع كثيرة للاعتماد على النشر الإلكتروني ليس لأنها طريقة جديدة بل لكونها تشفع اقتصاديًا لهم، وهو تصور يبدو أمام الكثير من الأزمات نوعًا من الحل وليس الهروب، شخصيًا عشت واقعين في طباعة الكتب، أما أن أطبع وأتحمل نفقات ذلك لأحصل على عدد معقول من الكتب، أو أطبع وأترك جهدي للناشر من أجل بعض الأعداد؛ وجرى ما جرى حينها، ومع هذا أتساءل هل يكفي ما أحصل عليه جراء جهدي في إنجاز الكتابين، سيكون من الإنصاف أن لا نتعجل في اتخاذ أي حكم مسبق لأن الأمر مع تجارة وتسويق الكتاب تخضع للمجاملات وللابتزاز في مرات كثيرة ثم لنتساءل بحرقة أين القراء ؟
كل مرة لو قورن الإقبال بعدد طباعة الجديد من الكتب بشتى أنواعها الأدبية لن يحصل أي تغيير، مما يدل على أن تجارة طباعة الكتاب تراوح مكانها وسنعود إلى المربع الأول وهو ما يحلم به المؤلف من طباعة كتاب بنسخ قليلة تتداول بين يديه ليهديها لأصدقائه، وهذه أسفرت عن كذبة ما تروج له الدار من فكرة توقيع كتاب لمؤلف في الحقيقة هي ليست توقيع كتاب بقدر ما هي بيع مباشرة بطريقة مخجلة.
رأي الكتاب
تقاذف المسؤوليات، وإقامة المعارض ومسابقات القراءة هنا وهناك، ووجود المراكز الثقافية وبعض الهيئات المعنية بالقراءة، لا تفي بالغرض في ظل العولمة التي تحيط بالمجتمع وانتشار كل ما هو إلكتروني ويسلب عقول الكبار قبل الصغار في جهاز واحد تحمله بين يديك، وهو الهاتف النقال.
تضافر الجهود جميعها حكومية وخاصة، من شأنها إعادة الألق للكتاب الذي غالبا ما تجده بين يدي المواطن الأجنبي في كل مكان، في الحافلة والقطار وفي وقت الانتظار، ومتوفر بالمكاتب بأسعار تشجيعية جدًا، ولا تستغرب عندما تشاهد الأم تفتح أمام ابنها الذي لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات كتابا ملونا وتشرح له ما بداخله كي تجعله يعتاد القراءة وشكل الكتاب.
ولا تستغرب عندما ترى كتبا مجانية أمام مداخل الأبنية موضوعة بكل أناقة لمن يريدها بعد أن ينتهي صاحبها من قراءتها.
كبارنا وصغارنا مشدودون للألعاب، ويستلزم إعادة القارئ للكتاب وجود محفزات كثيرة، وعادات أسرية، وضوابط رسمية تبدأ من المدرسة وصولًا لكل المفاصل الأخرى، لأننا دون أن نقرأ سيعم الجهل، وحتى يتوفر الكتاب للجميع لا بد من كتب بطبعات شعبية وأسعار رمزية، ومن المعيب جدًا وأنا متأكد مما أقول، أن كثيرًا من الكتب يطبع منها فقط مائة أو مائتا كتاب، وهذا لعمري خسارة ما بعدها خسارة.